من التعليقات المشهورة للدكتور حافظ النقر الأكاديمي السوداني المعروف: أن الشعب الصومالي يعتد بنفسه أكثر من اللازم لدرجة أن المتحدث في مؤتمر أو اجتماع أو لقاء لا يقطع منه الحديث إلا إذا وصل غايته وانصرف عن المنبر مما يؤدي إلي أن تستمر الاجتماعات واللقاءات الصومالية ساعات بل أياما وشهورا.
تعليق غريب في أذهان سامعيه من الصوماليين وغيرهم، غير أن مؤتمر المصالحة الصومالية المنعقد في كينيا منذ 15 أكتوبر 2002 وحتى كتابة هذه السطور قد يؤكد مقولة هذا الدكتور.
بطبيعة الحال لم يكن السبب وراء استمرار المؤتمر طيلة هذه الفترة ولع الصوماليين بالحديث والكلام بل كانت هناك عناصر محلية وخارجية أدت إلي أن يظل المؤتمر منعقداً قرابة سنتين بمشاركة عدد كبير من ممثلي القبائل والشرائح الصومالية يبلغ عددهم ألف شخص او أكثر.
الصراع بين جيبوتي وإثيوبيا على توجيه سير الأحداث في المؤتمر،وضعف الاهتمام من قبل المجتمع الدولي وخاصة أمريكا والمجموعة الأوروبية ، وإنشغال الدول العربية بالأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وسوء إدارة الجهاز الفني للإيغاد على المؤتمر، وقابلية المسؤوليين الكينيين المشرفيين على المؤتمر لشراء ذممهم ومن ثم تمرير مشاريع متناقضة عبرهم للجهاز الفني للمؤتمر، بالاضافة إلي غياب إدارة وطنية صادقة، ورؤية واضحة لمألآ ت الحل السلمي للأزمة من طرف الوفود الصومالية المشاركة في المؤتمر أدت إلي أن يظل المؤتمر منعقداً دون أن تكون هناك فترة زمنية محددة ومعروفة لنهايته.
وفي الآونة الأخيرة لوحظ بوادر تقدم لمسيرة المؤتمر التي ظلت شبه متوقفة خلال الشهور الستة الأخيرة، ففي منتصف الشهر الماضي أعلن وزير الخارجية الكيني ستيفن كولونزو مسيوكا افتتاح المرحلة الثالثة و الأخيرة من المؤتمر والتي يتم من خلالها تشكيل البرلمان وانتخاب الرئيس وتكوين الحكومة.
ومن ناحية أخرى فإن الصراع المرير الذي كان بين جيبوتي وإثيوبيا والذي كان يعتبره المراقبون أكبر عقبة أمام مسيرة المؤتمر قد حل، ففي لقاء جمع بين ممثلي القبائل الصومالية ووزيري الخارجية الجيبوتي على عبد فارح والإثيوبي سيوم مسفين ، صرح الوزيران أن دولتيهما كانتا في طيلة الفترة الماضية عقبة أمام المساعي الرامية لإنهاء الصراع الدامي وتشكيل حكومة صومالية تجمع شمل الفرقاء،وأضافا أنهما اليوم تجاوزا الخلاف الذي كان بينهما ،ويقفان صفا واحدا ،وطلبا معا من الجانب الصومالي أن يحلوا مشاكلهم ،ويشكلوا حكومتهم، وبعد تصريحات الوزيرين الإيثوبي والجيبوتي توقفت الامدادات العسكرية التي كانت تقدمها إثيوبيا لبعض الفصائل الموالية لها،كما أنها سحبت قواتها من بعض المناطق الصومالية الواقعة على الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين الصومال، وبالتالي فإن كل المناوشات العسكرية التي حدثت بين القبائل الصومالية في مختلف المناطق تم سيطرتها واحتواؤها بسهولة مما يؤكد الدور الأكبر الذي كانت تلعبه إيثوبيا بتأجيج الصراع الأهلي في الصومال.
وفي جانب آخر فإن كلا من الحكومة الجيبوتية و الدول العربية شجعت الحكومة الانتقالية للمشاركة في مؤتمر المصالحة والمساهمة في دفع مسيرة السلام إلى الأمام ،كما أن الدول العربية أوقفت دعمها المالي إلى الحكومة الانتقالية وحولته إلى صندوق دعم مؤتمر المصالحة الصومالية في نيروبي الأمر الذي مهد السبيل إلى تنازل الحكومة الانتقالية عن مواقفها المتشددة تجاه المؤتمر.
بالإضافة إلى ذلك تسارعت خطى الولايات المتحدة الأمريكية تجاه دفع مسيرة المؤتمر وإقناع كل من جيبوتي وإيثوبيا والدول العربية في تخفيف التوتر بينهم حتى ترسو سفينة المصالحة الصومالية في بر الأمان كما أن بريطانيا قدمت وعودها لتمويل المؤتمر في حالة تجاوزه العقبات المعروضة أمامه ونجاحه في تشكيل البرلمان الانتقالي.
وعلى الرغم من التحسن الملحوظ الذي طرأ في ساحة المجتمع الدولي و الاقليمي فإن فقدان الإرادة الوطنية وغياب الرغبة الحقيقية في الوصول إلى حل عادل وناجح من قبل الطرف الصومالي يظلان عقبة كأداء أما مسيرة المؤتمر في الأيام القادمة،ولربما لشهور عدة.