قال الله تعالي : (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس و الثمرات وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) سورة البقرة الآية 157

     رحل عن دنيانا الفانية يوم الأحد 18/أغسطس 2013م شيخا من شيوخ الحركة الإسلامية الإرترية وعالم من علمائها الأخيار ورائد من روادها الأوائل وقائد من قادتها ألا وهو الشي: علي داود محمد عثمان بمدينة حشم القربة بولاية كسلا عن عمر تجاوز السبعين عاما قضي جلها معلما أو متعلما  وهو من اسرة  دينية ضاربة العراقة في ارتريا، والشيخ علي من مواليد مدينة أغردات بإقليم القاش بركا هاجر مثله ومثل الكثيرين من أبناء جيله إلى السودان طلبا للعلم ثم إلى جمهورية مصر العربية حيث الأزهر الشريف الذي بدأ دراسته النظامية به، ثم هاجر منه أيضا إلى المملكة العربية السعودية حيث واصل دراسته بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة اذ تخرج من كلية الشريعة في عام 1975م.

    فور تخرجه من الجامعة الإسلامية عاد الشيخ/علي داود وزميله ورفيق دربه في كل ما ذكرنا من مراحل، الشيخ / محمد عمر الحاج إلى السودان حيث توجد معسكرات المهاجرين الإرتريين، ركز الشيخان كل جهود هما نحو التعليم الديني والدعوة والإرشاد اذ أسسا المعهد   الديني الإسلامي بمنطقة ود الحليو بشرق السودان في عام 1976م ثم انتقلا بذات المعهد بحثا عن بيئة أفضل وأكثر حاجة إلى هذه المؤسسة التعليمية فوقع اختيارهما على معسكر المهاجرين الإرتريين بخشم القربة وأطلقا عليه اسم معهد النهضة الإسلامي، كان مبتدأه تحت ظل شجرة وذلك في عام 1979م، والنهضة اسم ذو دلالة تم اختياره بعناية وتوفيق فالمهاجرين الإرتريين كانوا في ذلك الوقت حديثي عهد باللجوء فكانوا بحاجة إلى من ينسيهم جراحات اللجوء الغائرة في النفس والجسد، ويشدهم نحو الغد ويفتح لهم أبواب الأمل فالحياة كلها أمل.

    أصبح المعهد قبلة ومنارة علمية لأبناء المسلمين المتواجدين بمعسكرات اللاجئين بالسودان والقادمين من ارتريا، الفارين من جحيم الحرب، استمر معهد النهضة في رسالته التعليمية والتربوية معينا لا ينفض يتقدم ويتأخر ولكن بفضل الله ثم بجهود المخلصين من المؤسسين الشمعة لم تنطفئ إلى يومنا هذا.

    كان معهد النهضة فعلا نهضة وبداية انطلاق نحو المسيرة التعليمية للكثيرين من الدارسين حيث انتقل العديد من طلابه إلى الدراسة بالجامعات السودانية والعربية عامة والخليجية خاصة.

    خرج المعهد خلال مسيرته المباركة التي استمرت لأربعة عقود حتي الأن الألاف من الدارسين من الجنسين يتبوؤون اليوم العديد من المواقع القيادية في مختلف القطاعات العامة والخاصة.

    كما كان لطلابه حضور مشهود في المجالات السياسية والعسكرية خاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية الجهادية في الساحة الإرترية منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي.

    الشيخ/علي داود لم يكن دوره منحصرا في التعليم والدعوة والإرشاد علي الرغم من أهمية وشرف هذه المجالات، بل كان متفاعلا مع قضايا وهموم مجتمعه الإسلامي عامة والإرتيري خاصة، فكان عضوا بالحركة الإسلامية العالمية (الإخوان المسلمين) منذ أيام دراسته بالأزهر الشريف، ثم عضوا بالحركة الإسلامية الإرترية، ورئيسا لمجلس شوري حركة الجهاد الإسلامي الإرتري للدورتين متتاليتين منذ تأسيسها في عام 1989 ـ 1998.

    كان الشيخ / علي يمثل وجها من الوجوه الاجتماعية ورمزا من رموز المجتمع تسمع له وتحترمه وتقدره قطاعات واسعة من المجتمع المحلي حولة، لخبرته ومكانته العلمية والاجتماعية، ولما يتمتع به من تلقائية في التعبير وصدق لهجة وطرفة اللسان.

  • الرفيق الصالح – ما ذكر الشيخ علي داود وإلا ذكر معه الشيخ محمد عمر الحاج رحمهما الله رحمة واسعة نحسبهما رجلان تحابا في الله من غير رحم ولا نسب ولا مصلحة، جمعت الأقدار بينهما منذ الرحلة إلى الأزهر الشريف وجعل بينهم الوفاق في الحياة العلمية والعملية بل حتي في التوجهات الفكرية والدعوية، وفي الحقيقة لم يكونا نسخة كربون، بل كانت لكل منهما شخصيته وخصاله ومناقبه الخاصة، وكل منهما يكمل الأخر فيما نقص منه.
  • وجه الشبه في حسن الختام – لاحظ أخي القارئ التشابه بين الشيخين حتي في حسن الختام فقد توفي الشيخ/ محمد عمر الحاج بعد أداء فريضة الحج بالمدينة المنورة ودفن بالبقيع حسب وصيته في عام 2003م وتوفي الشيخ /علي داود بعد أداء فريضة الصوم ليلقي كل منهما ربه بصحائف بيضاء، الشيخان كانا من المفلحين الصالحين في الدنيا ونسأل الله أن يكونا كذلك في الآخرة.

  اللهم ارحمهما وأغفر لهما وأسكنهما فسيح جناتك.

وأخيرا أهمس في اذن كل خريجي معهد النهضة الإسلامي بمختلف مشاربهم وأين ما كانوا أن يتنادوا لاستمرار رسالة المعهد واعادة النهضة لمعهد النهضة وهم جديرون بذلك.

التعليقات معطلة.