بعد انقطاع وتأزم دام لمدة أربعة سنوات، استأنفت كل من قطر وإثيوبيا العلاقات الدبلوماسية بينهما بتأريخ 17/11/2012م وذلك بتعيين قطر تمثيل دبلوماسي لها في إثيوبيا لأول مرة  حيث لم يوجد لها وجود دبلوماسي  حتى قبل مرحلة قطع العلاقات بين البلدين في إبريل 2008م ، وجاءت زيارة الوفد القطري الكبير في الفترة ما بين 5-6/11/2012م والذي ترأسه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم وضم العديد من الوزراء والسفراء القطريين في المنطقة  تتويجا لانطلاق مرحلة جديدة للعلاقات بين البلدين ، وبالرغم أن مدة الأربعة السنوات الماضية من عمر علاقة البلدين تخللتها الكثير من الاتهامات المتبادلة، إلا أنه يبدوا أن قيادة البلدين توصلوا في النهاية إلي قناعة مفادها أنهم في حاجة ماسة إلي البعض،  فدولة  قطر لا تستطيع أن تحقق ما  تطمح  إليه من نفوذ ومكاسب سوءا كان في أفريقيا عموما أو في منطقة القرن الإفريقي علي وجه الخصوص بدون الدعم والمساندة الإثيوبية ، كما أن إثيوبيا أيضا هي الأخرى بحاجة إلي الدعم القطري بمختلف أنواعه الاقتصادي والسياسي ، وإذا قلنا أن قطر اليوم وبعض التغيرات الكبيرة الحاصلة في العالم العربي والدور الذي لعبته  ومازالت تلعبه قطر في تلك الأحداث من خلال توظيف إمكانياتها المادية والإعلامية أصبحت دولة محورية في العالم العربي، فإن إثيوبيا أيضا  بالمقابل هي الأخرى يمكن اعتبارها نافذة  مهمة للعبور من خلالها إلي أفريقيا، فضلا عن كونها تتميز بوجود المقر الدائم للاتحاد الإفريقي في عاصمتها، إضافة إلي الأدوار المهمة التي تقوم بها علي مجريات الأحداث في منطقة القرن الأفريقي، وإمساكها بزمام المبادرات في منظمة إيقاد الإقليمية وفق مصالحها، علاوة علي الثقة الكبيرة التي مازال الغرب يمنحها لإثيوبيا كقوة رئيسية في منطقة شرق أفريقيا يمكن الاعتماد عليها في رسم الأجندة الدولية المتعلقة بالمنطقة ومن ثم تنفيذها.

    وقد عكست التصريحات التي أدلى بها مسئولي البلدين أثناء الزيارة الأخيرة للوفد القطري إلي إثيوبيا مدى حرص الجانبين لأهمية استئناف العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين بلديهما وتطويرها، ويتوقع أن يكون للتقارب الحاصل بين البلدين أثاره علي مستوي المنطقة وذلك بناء  للأدوار التي يقوم بها البلدين حاليا علي مستوي المنطقة، وتقديرا منا لأهمية الموضوع سنحاول بدورنا أن نلقي الضوء علي مسيرة العلاقات بين البلدين منذ نشأتها وصولا إلي الزيارة الأخيرة ونتائجها، كما سنري انعكاسات عودة هذه العلاقة علي الحزب الحاكم في إرتريا والذي يعتبر بدون أدني شك الخاسر الأكبر من عودة العلاقات بين الدوحة وأديس أبابا، كما أننا سنحاول استقراء ما يمكن أن تقوم به قطر في المنطقة من خلال الشراكة مع إثيوبيا.

  • مسيرة العلاقات الإثيوبية القطرية:

 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في منتصف التسعينات، وبالرغم من أن الجانبان في تلك المرحلة أبديا استعدادهما للعمل سويا لتوطيد العلاقات وتطويرها لمصلحة  البلدين، إلا أنهما عمليا لم يقوما بأي جهود تذكر لتحقيق ذلك ، ويمكن إعادة ذلك إلي ارتباطات البلدين الخارجية في تلك المرحلة وعدم وجود مصالح قوية مشتركة آنذاك تدفع قيادة البلدين لتواصل وتطوير العلاقات الثنائية بينهما كما هو الحال اليوم بين البلدين ، ولذلك و بالرغم أن كلا البلدين يعتبران من حلفاء أمريكا والغرب التقليدين ، فإن ذلك لا يمنع بالضرورة وجود تباين في توجهات النظامين وخلفياتهما الفكرية والسياسية ، وذلك ما جعل قطر في تلك المرحلة ترتبط بعلاقات قوية مع السودان وليبيا البلدان اللذان كانا في تلك المرحلة تسود علاقتها الريبة والشك مع الجانب الإثيوبي، وأثناء الحرب الإرترية الإثيوبية وقفت قطر إلي  جانب النظام الإرتري، وهو ما دفع بإثيوبيا لاتهام قطر بتقديم الدعم والمساندة لإرتريا في تلك الحرب، كما اعتبرت الخارجية الإثيوبية تغطية قناة الجزيرة القطرية للحرب في تلك المرحلة منحازة لصالح الطرف الإرتري .

   وفي عام 2005م حاول البلدان مرة أخري كسر الجمود بينهما، واتفقا للعمل سويا من اجل إعادة  العلاقات وتطويرها خدمة لمصلحة البلدين، ويبدوا أن المبادرة كانت  إثيوبية في تلك المرحلة  وكان الهدف الرئيسي منها إبعاد الجانب القطري واحتوائه من الاستمرارية في تقديم الدعم المادي وتوفير الغطاء السياسي وتخفيف العزلة الدولية عليه، ويمكن استنتاج ذلك من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي لقطر في 22فبراير2005م  بمعية وزير الخارجية الإثيوبي السابق سيوم مسفن حيث اجري البلدان حينها مباحثات مكثفة مع قطر واتفقا لتعزيز العلاقات بينهما والتعاون في المجالات الاقتصادية والفنية والقضايا ذات الاهتمام المشترك في المنطقة، كما وقعا وزيرا خارجية البلدين حينها اتفاقيات تجارية وسياحية واقتصادية في الدوحة بحضور زيناوي وأمير دولة قطر، وصرح زيناوي حينها لوسائل الإعلام بأن إثيوبيا تربطها علاقات قوية مع العالم العربي  وأكد علي وجود مصالح مشتركة مع قطر للتعاون في مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة وأشار علي وجود رغبة من الجانبين للعمل لتطوير العلاقات بين البلدين ، إلا أن تلك الاتفاقيات مع أهميتها في تلك المرحلة لم تشهد أي تطبيق يذكر في ارض الواقع ولم تدفع في اتجاه تحسين  العلاقات بين البلدين ، وقد صرح  مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الإثيوبية “أديس ديسنيا” لوكالة الأنباء الإثيوبية في 22فبراير2005م  قائلا : أنه وبالرغم من وجود العلاقات بين قطر وإثيوبيا منذ منتصف التسعينات حاولنا التركيز للعمل سويا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية إلا أن العلاقة لم تحقق أي نتائج وكانت دون طموح البلدين .

 وفي الأزمة الصومالية كان الموقف القطري دائما إلي جانب الجماعات الصومالية المناهضة لتدخل الإثيوبي في الصومال، وهو موقف انسجم مع موقف الجانب الإرتري المتهم أصلا  بتقديم الدعم المادي والعسكري لتلك الجماعات، وقد نشر في احدي وثائق ويكيليكس الأمريكية صادرة يونيو2006م بأن مسؤولا بريطانيا نقل عن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي متهما لأمير قطر بتقديم الدعم لحركة الشباب المجاهدين الصومالية، وفي إبريل 2008م أعلنت إثيوبيا في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر و إتهمتها بتقديم دعم مباشر وغير مباشر لما سمتها المنظمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي ، من جانبها أصدرت وزارة الشئون الخارجية القطرية بيانا أعربت فيه عن دهشتها إزاء القرار الإثيوبي بقطع العلاقة مع دولة قطر استنادا علي ما وصفتها مزاعم لا أساس لها من الصحة، وأكدت علي أن السياسة القطرية تستند علي رؤية واضحة وثابتة وتعمل من اجل تعزيز الأمن والاستقرار وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الأخرى، ومكافحة الإرهاب بجميع مظاهره وأشكاله ، ووصف البيان ما سماها الادعاءات الإثيوبية بالخطيرة ، و دعى الحكومة الإثيوبية إلي التماس الدقة قبل توجيه مثل هذه التصريحات والادعاءات المضللة ، وأضاف إن هذه الاتهامات تمثل محاولات سافرة لتبرير السياسات الخاطئة للحكومة الإثيوبية، ودعت الخارجية القطرية إثيوبيا علي التوقف من الزج بقطر في خلافاتها الداخلية ، وختم البيان بالقول  إن دولة قطر نأت بنفسها عن الرد في  المرة السابقة بالرغم أن الحكومة الإثيوبية قامت أيضا بتوجيه مثل هذه الاتهامات لقطر، وذلك علي أمل أن تتوقف الحكومة الإثيوبية عن مثل هذا السلوك الخاطئ.

   ويعيد مراقبون بأن السبب الرئيسي وراء قطع العلاقات بين البلدين في تلك المرحلة هو التغطية الخاصة التي قامت بها قناة الجزيرة القطرية للأوضاع في إقليم أوغادين الصومالي الذي يخضع للسيطرة الإثيوبية، حيث بثت سلسلة من تقارير مؤثرة للغاية كشفت للعالم حقيقة الأوضاع في تلك المنطقة المنكوبة، وكانت محرجة للغاية للدبلوماسية الإثيوبية، وكانت هناك العديد من ردود الأفعال حولها من المنظمات الإنسانية والحقوقية في العالم، وكان رد الفعل الإثيوبي أن بادر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، ومنع الجزيرة من العمل في إثيوبيا، ومنذ ذلك الحين دخلت علاقة البلدين مرحلة مظلمة استمرت لمدة أربعة سنوات ولم تنجح أي وساطة لتقريب وجهات النظر بين البلدين في تلك المرحلة.

  •   الزيارة الأخيرة والانجازات التي حققتها:

      كان مفاجئا للمراقبين تلبية وزير الخارجية الإثيوبي السابق ورئيس الوزراء الحالي  هيلي ماريام دسالني دعوة قطر لحضور مراسيم توقيع اتفاقية سلام دارفور بين حكومة السودان وحركة تحرير والعدالة الدار فورية بالدوحة في منتصف يوليو2011م ،وقد كان ذلك مؤشرا  مبكرا بوجود حرص من  قيادة البلدين لإعادة العلاقات بينهما، وأثناء الثورة الليبية كان موقف القيادة الإثيوبية  مختلفا عن مواقف العديد من الزعماء الأفارقة الذين وقفوا إلي جانب القذافي  وقدموا المبادرات التي اتهمت حينها بالانحياز إلي جانب القذافي ولم تكن إثيوبيا طرفا في تلك المبادرات ، بل إن موقفها كان أقرب إلي موقف التحالف الدولي والعربي الذي كان يدير الحرب ضد القذافي حتى تم إسقاطه وهو موقف التقت فيه إثيوبيا مع قطر والعديد من الدول الغربية، ومما ساعد أيضا عودة العلاقات بين البلدين إن قطر كدولة حليفة للنظام الإرتري لم تدعم موقف ارتريا في المحافل الدولية ولم تتصدي بل دعمت كل القرارات والعقوبات الدولية التي صدرت ضد إرتريا من الأمم المتحدة حتى  فترة ترأسها للمجلس، ومجلس الأمن الدولي وذلك عكس موقف نظام القذافي السابق والصين وروسيا الذين كانوا غالبا في موقف الدفاع عن إرتريا، مقابل سخط وخيبة أمل الجانب الإثيوبي وحلفائه من دول المنطقة وغيرها الداعمة للعقوبات، وليس سرا بأن إثيوبيا سخرت كل إمكانياتها بالعمل مع المجتمع الدولي لاستصدار تلك العقوبات والقرارات الدولية ضد الحكومة الإرترية، وفي الملف الصومالي تجاوبت قطر مؤخرا بدعم كل المبادرات الدولية بدءا بمؤتمر اسطنبول حول الصومال مايو2012م إلي مؤتمر لندن الدولي عن الصومال والذي عقد  في فبراير2012م، وخلال فترة المؤتمر التقي رئيس الوزراء القطري مع نظيره الإثيوبي الراحل ملس زيناوي وبعد مباحثات ثنائية بين الجانبين اتفقا علي استئناف العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين وحينها تعهد رئيس الوزراء القطري للقيام بزيارة لإثيوبيا لبدأ مرحلة جديدة بينهما، ولم تتم تلك الزيارة إلا بعد رحيل زيناوي، وفي منتصف أكتوبر 2012م وبعد سلسلة من اللقاءات غير المعلنة بين الطرفين بادرت قطر بتعيين تمثيل دبلوماسي لها في إثيوبيا، وقد حظي السيد حامد محمود الرميحي القائم بأعمال السفير القطري في إثيوبيا بحفاوة واسعة عند وصوله إلي مطار أديس أبابا ، حيث نظمت له الخارجية الإثيوبية استقبالا رسميا بحضور العديد من المسئولين الأثيوبيين وسفراء الدول العربية المعتمدين في إثيوبيا وعددهم (16) دولة وكان في مقدمتهم السفير المغربي عميد السفراء العرب في إثيوبيا، وفي 24/10/2012م استقبلت إثيوبيا وفدا قطريا كبيرا ترأسه نائب وزير المالية والاقتصاد القطري خليفة أحمد المانع وضم الوفد عددا من رجال الأعمال والمستثمرين القطريين، وقد اجري الوفد مباحثات مكثفة مع الجانب الإثيوبي، كما زار العديد من المناطق الإثيوبية ، وقد ركزت اللقاءات مع الجانب الإثيوبي عن المشاريع الاقتصادية التي يمكن لقطر أن تدعمها في إثيوبيا، كما اتفق الطرفان علي مسودة الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين لاحقا، وفي يومي 5-6/11/2012م استقبلت إثيوبيا وفدا قطريا كبيرا برئاسة رئيس الوزراء القطري، ونائبه، ووزراء المالية والاقتصاد، والطاقة ، والتجارة والاستثمار، والعديد من سفراء قطر في المنطقة ، ورجال أعمال ومستثمرين ، وقد اعتبرت الزيارة من أهم الزيارات التي قام بها وفد عربي إلي إثيوبيا في السنوات الأخيرة، وقد حظيت الزيارة باهتمام إثيوبي واسع كما نظم حفل استقبال كبير علي شرف استقبال الوفد القطري الكبير بمطار أديس أبابا بمشاركة العديد من الدبلوماسيين المعتمدين في إثيوبيا، وبعد وصوله إلي مطار أديس أبابا نفى رئيس الوزراء القطري للصحفيين بوجود مشكلة بين بلاده وإثيوبيا وقال كان هناك سوء تفاهم بين الجانبين وتم الاتفاق لإنهائه خلال اللقاء الذي تم بيني وبين رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي في فبراير 2012م بلندن، وأضاف إن العلاقة بين البلدين مبنية علي الثقة المتبادلة، وأشار أيضا بوجود فرصة كبيرة للبلدين للعمل سويا في مختلف المجالات الاقتصادية والسياحية والزراعية وغيرها، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد في القصر الرئاسي واستمر ساعة كاملة بين رئيسي وزراء البلدين، أكد المسئول القطري بأن إثيوبيا دولة مهمة في المنطقة ونحن بحاجة لتعزيز التعاون معها وأضاف بالقول أن قطر تؤمن بأن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة لا يتم إلا عبر إيجاد التنمية الشاملة لشعوب هذه المنطقة . من جانبه اعتبر رئيس الوزراء الأثيوبي الزيارة بأنها تاريخية وخطوة إلي الأمام وصولا إلي مرحلة التطبيع الكامل بين البلدين، وأبدي وجود نية صادقة واستعداد من قيادة البلدين لتحقيق ذلك، كما عبر عن تقدير بلاده للدور القطري لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وأكد دعم بلاده للجهود القطرية الهادفة لإحلال السلام في دار فور، وأبدي رغبة بلاده للتعاون الكامل مع قطر متوقعا إمكانية تحقيق نتائج ايجابية علي مبادرات السلام علي المستويين الإقليمي والدولي .

     وفي الجانب الاقتصادي وقع رئيسي وزراء البلدين أربعة اتفاقيات شملت  التعاون التجاري والاقتصادي، وتعزيز فرص الاستثمار وفتح المجال للقطاع الخاص بين البلدين، والتعاون الفني في المجالات التقنية، وفتح المجال لتبادل العمالة بين البلدين، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي خارجية البلدين وتكوين لجنة استشارية بهدف مواصلة التنسيق والتشاور بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك في كافة المحافل الدولية، وبقى أن نشير في هذا المحور أن إثيوبيا لم ترسل سفيرها حتى الآن إلي الدوحة وحسب تصريح الناطق باسم الخارجية الإثيوبية السفير “ديني مفتي” لجريدة ريبورتر الإثيوبية إن الاستعدادات جارية في تكوين الفريق الدبلوماسي وتعين السفير في قطر قريبا.

  • انعكاسات عودة العلاقة الإثيوبية القطرية علي إرتريا:

  بالرغم من أن الدوائر الإعلامية والرسمية الإرترية لم تتناول موضوع استئناف العلاقات الإثيوبية القطرية، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة عدم قلقها من ذلك التطور، بل أن مما لاشك فيه إن الحكومة الإرترية أصيبت بخيبة أمل كبيرة من عودة العلاقات بين إثيوبيا التي تعتبرها عدوها الأول وقطر التي صنفت في العقد الأخير من أكبر الداعمين للنظام الإرتري، وتوقع البعض أن استمرارية الدعم القطري لإرتريا فقد أهم عوامل استمرار يته بعد تحسن العلاقة القطرية الإثيوبية، ويظن هؤلاء أن أهم دوافع قطر في تقديم مختلف أنواع الدعم لإرتريا خلال العقد الماضي كان نكاية بإثيوبيا التي بادرت بقطع علاقاتها بقطر واستمرت في اتهامها بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي في المحافل الدولية، ومهما تكون دوافع قطر في دعمها لإرتريا في المرحلة الماضية فإن استمرارية  ذلك الدعم بنفس الوتيرة السابقة أصبح غير ممكن خاصة إذا كانت قطر حريصة في تطوير علاقاتها مع إثيوبيا وبناء شراكة قوية معها في المنطقة ، لأن من أهم عوامل توتر العلاقات القطرية الإثيوبية خلال السنوات الماضية كان بسبب الدعم القطري للنظام الحاكم في إرتريا والذى كانت ترى فيه إثيوبيا بأنه من أهم عوامل صمود النظام أمام التحديات الكبيرة التي كان يواجهها وتشجيعه للمواصلة في العمل من أجل عدم الاستقرار في المنطقة.

     ومن ناحية أخري يلاحظ تزامن استئناف العلاقات القطرية الإثيوبية هذه المرة  في وقت تمر فيه العلاقة الإرترية مع قطر بنوع من البرود والفتور، فمنذ مطلع العام الحالي لم تسجل أي زيارة  للرئيس الإرتري إلي قطر التي طالما تكررت بشكل مستمر خلال الأعوام الماضية، ويرجح البعض أن مستوي الثقة بين البلدين تدنت لأدني مستوياتها بل في طريقها إلي التأزم ويرجع هؤلاء بداية الأزمة بين البلدين بسبب المواقف المتباينة من الثورة الليبية حيث أبدت الحكومة الإرترية استيائها من دور البلدان العربية التي تحالفت مع النيتو لإسقاط نظام القذافي واتهمتها بالتبعية للغرب وتسخير إمكانياتها لإعادة الهيمنة الغربية الاستعمارية إلي ليبيا، فضلا عن دعم قطر لكافة القرارات والعقوبات الدولية والالتزام بها وهو ما انعكس سلبا علي كثير من مشاريع البنائية والسياحية  والتعدين التي كانت تملوها قطر في إرتريا ، وأشارت بعض المعلومات عن استياء قطري وعدم رضي عن استثماراتهم بإرتريا وشعورهم بأنهم تعرضوا للخديعة والغش من الجانب الإرتري و توصلوا  إلي خلاصة بعدم تحقيق أي مكاسب مالية أو سياسية من تلك العلاقة، وهو ما جعلهم يقوموا بإعادة تقييم العلاقات مع إرتريا، كما إن قطر ظلت تتعرض لكثير من الانتقادات من مختلف الأطراف والحكومات والمنظمات الحقوقية لإصرارها في تقديم مختلف أنواع الدعم  للنظام الحاكم في إرتريا في وقت تدين فيه كافة التقارير الدولية وبشكل دائم ممارسات النظام في داخل إرتريا وخارجها وتعتبره من أسوأ الأنظمة الحاكمة في عالمنا اليوم، وهو موقف يجعل القطريين محرجين وخاصة وهم اليوم يتقدمون الصفوف ويدعمون ثورات الربيع العربي التي تهدف إلي تحقيق الحرية والكرامة لتلك الشعوب، كما يجب علينا أن نقدر عاليا الزيارة المهمة التي قام بها وفد قيادي من الحزب الاسلامي الإرتري للعدالة والتنمية إلي قطر في ابريل 2010م وإجرائه للعديد من اللقاءات مع جهات قطرية مختلفة، وأخري تتخذ من قطر مقرا لها  مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان للتقرير الذي نشر في جريدة العرب اليومية القطرية بتاريخ 8ابريل 2010م وتعتبر من أهم الجرائد القطرية الحكومية رسالة مهمة للقيادة القطرية، وكما قرأنا حينها تناول التقرير أوضاع المسلمين في إرتريا والمظالم التي يعانون منها، وقضية المعتقلين ، والتطورات التي شهدتها ساحة المعارضة الإرترية، وأورد التقرير الدور المطلوب من الدول العربية القيام به تجاه الشعب الإرتري في المحنة التي يمر بها، وأشار التقرير استهجان الشعب الإرتري مسلمين ومسحيين صمت الدول العربية إزاء انتهاكات النظام الدكتاتوري الطائفي لحقوق مواطنيه، وإعراض هذه الدول عن دعم القوى السياسية الإرترية التي تسعي لإقرار العدل والحريات لكل الشعب الارتري، وأضاف إن مما يزيد من معاناة الشعب الارتري ويصيبه بالإحباط وقوف بعض الدول العربية مع هذا النظام الدكتاتوري ودعمه ماليا وسياسيا، ويبدوا لي عندما ينشر مثل هذا النقد في جريدة حكومية قطرية بالتأكيد لديه تأثيره ودلالاته، وقد حظي التقرير باهتمام واسع وتفاعل في الموقع الالكتروني للجريدة وغيرها .

  • الأدوار التي يمكن لقطر القيام بها من خلال التنسيق مع إثيوبيا:

   يجمع المراقبون في المنطقة بأن كل من قطر وإثيوبيا تتمتعان بثقل إقليمي ونفوذ في المنطقة، وتقوماني بأدوار متقدمة لإيجاد حل للعديد من الصراعات المتفاقمة في المنطقة، ففي السودان تعتبر دولة قطر من اللاعبين الأساسيين في ملف دارفور، كما إن إثيوبيا هي الأخرى حاضرة في الشأن السوداني خاصة فيما يتعلق بالخلافات السائدة بين دولتي السودان وجنوب السودان وفي النزاع المشتعل في مناطق كرد فان والنيل الأزرق، فضلا عن وجود قوة حفظ سلام إثيوبية في منطقة أبيي المتنازع عليها، وفي النزاع الحدودي بين جيبوتي وإرتريا نجحت دولة قطر في نزع فتيل الأزمة بين البلدين من خلال طرح وساطتها التي وقع عليها الطرفان، وبموجب تلك الوساطة أرسلت قطر قوات حفظ السلام لمراقبة المناطق المتنازع عليها وحتى الآن مازالت القوات موجودة  وتتخذ مقر لها من عصب، وفي الصومال تقوم دولة قطر بنشاطات مكثفة  في المجال الإنساني والسياسي وأشارت مصادر صحفية إثيوبية أن دولة قطر ستقوم  قريبا بافتتاح سفارتها في مقديشو، ويلاحظ وجود تداخل في الملفات التي يهتم بها البلدان في المنطقة، وإن أي تنسيق وتعاون بينهما في تلك الملفات حتما سينعكس إيجابا علي تلك الصراعات، كما توقع العديد من المحللين بأن التعاون بين قطر وإثيوبيا سيعزز التعاون الأفريقي العربي، ويدفع بالأجواء لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وذلك لما تمثله الدولتان من ثقل علي الصعيد الإقليمي والدولي.

     وفيما يتعلق بالنزاع الحدودي بين إرتريا وإثيوبيا نشر في منتصف مارس 2012م في موقع عنسبا وتناقلته العديد من المواقع الارترية والإثيوبية ما قيل عنها حينها أنها مبادرة قطرية إسرائيلية من المفترض أن يتم التوقيع عليها بين الطرفين في 20مارس2012م بألمانيا، وتتكون من خمسة نقاط منها استئجار قطر لميناء عصب لمدة عشرون عاما لكي تستخدمها إثيوبيا بالمقابل، وتعهد إثيوبي بالقبول بترسيم الحدود ،والانسحاب من الأراضي الارترية ،وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية، والسياسية، وتعويض المتضررين من الجانبين بسبب الحرب من قبل المجتمع الدولي، وبالرغم أن المبادرة اتضحت بعد أيام من نشرها أنها مجرد تخمينات ولا أساس لها من الصحة، و أن طرفي النزاع نفي علمهما بها، حيث قال أفورقي في رده علي هذه المبادرة  لم يحدث مثل هذا ولن يحدث في المستقبل وأضاف أن استمرارية مثل هذه التخمينات هي جزء من المؤامرة، كما نفت الخارجية الإثيوبية من جانبها علمها بمثل هذه المبادرات، وبالرغم من ثبوت عدم صحة ما سميت بمبادرة حينها فإن هذا لا ينفي وجود قطري عسكري وخبراء صينيون تحت إشراف وتمويل قطري في ميناء عصب، بل أن عمليات التجديد و البناء والتوسيع التي تتواصل منذ بداية هذا العام في الميناء الخاوي منذ اندلاع الأزمة بين البلدين مؤشر لوجود بعد السيناريوهات التي تتعلق بمستقبل عمل ميناء عصب الارتري.

    ويمكننا القول أن دولة قطر تملك من الإمكانيات والعلاقات الدولية ما يؤهلها لتحريك هذا الملف خاصة إذا استطاعت ببرجماتيتها العالية بناء علاقات قوية ومتوازنة مع طرفي النزاع  لكسب ثقتهما ومن ثم العمل بعيدا عن الأضواء لتقريب وجهات النظر بين البلدين، ولاسيما وأن القيادة القطرية أكدت أن مدخل حل الأزمات المستعصية في منطقة القرن الأفريقي لابد أن يكون من خلال إدخال برامج التنمية المستدامة  في المنطقة، ويبدوا لي  أن كل من إرتريا وإثيوبيا من أكثر بلدان المنطقة حاجة إلي مثل هذه المشاريع، وبناء علي تصريحات طرفي النزاع مؤخرا أن هناك استعداد من الجانبين لإيجاد حل لنزاع الارتري الإثيوبي، وإن تفاقم الأوضاع الداخلية السياسية منها والاقتصادية للنظامين تصعب عليهما من إمكانية استمرارية الحال كما هو عليه أو اللجوء للحسم وهو خيار مستبعد للأسباب التي أشرنا إليها ويبقي خيار إيجاد الحل السلمي هو الأفضل لهما والمدعوم من المجتمع الدولي، وقد صرح يماني قبرآب مؤخرا في مقابلة له مع صوت أمريكا إمكانية عودة العلاقات مع إثيوبيا إلي طبيعتها في حالة انسحابها من الأراضي الارترية وقبولها بحكم ترسيم الحدود، وبالمقابل أوضح رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام دسالني في مقابلة له بقناة الجزيرة الانجليزية في مطلع الشهر الحالي استعداد بلاده للمصالحة مع إرتريا وأنه يريد أن يذهب إلي أسمرا للحوار مع أفورقي، و أضاف أن ملس زيناوي طلب أكثر من خمسين مرة الذهاب إلي اسمرا للتحاور مع أفورقي لإيجاد حل للصراع بين البلدين، وأضاف إن عدونا الحقيقي هو الفقر والجوع وهو ما يجب أن نتصدى  له بكل ما نملك من الإمكانيات وبناء التكامل الإقليمي، وكلها مؤشرات تؤكد عدم ممانعة البلدين إيجاد حل للصراع القائم بينهما وسنري ما تسفر عليه تطورات الأحداث في الفترة القادمة.

التعليقات معطلة.