الاحتفالات بأعياد الاستقلال في دولة إرتريا سنوياً تأخذ حيزاً واسعاً بدءاً من الاستعداد لها في المركز والأقاليم وانتهاءً بالاحتفال الرسمي الذي تختتم به في العاصمة أسمرا.

    فمن المفترض أن الاحتفال بمثل هذه المناسبات أن يجدد في المواطن روح الانتماء ويشحذ الهمم من أجل النهوض والتقدم والرقي، فهل هذا الذي تقصده حقاً الحكومة الإرترية من تنظيمها لمثل هذه الاحتفالات باستمرار؟

    إن المتابع لهذه الاحتفالات منذ فجر الاستقلال يلاحظ أنه كان لها طعم خاص ومتميز سرعان ما أفسدته مرارة سياسة الإقصاء والتمييز والنظرة الأحادية لمكونات الشعب الإرتري الذي قدم كل ما يملك مهراً للحرية والخلاص من المستعمر الإثيوبي، وإن أبرز ما يميز تلك الاحتفالات هو المحاولات المتكررة لطمس معالم الهوية الحقيقية للشعب الإرتري وعكس التراث الفلكلوري والتاريخ النضالي في قوالب مختلفة تأصل لوجه الإنسان الجديد الذي تريد صناعته سياسات الجبهة الشعبية الحاكمة منذ أيام النضال التحرري وبواكير بسط سيطرتها وهيمنتها على مكتسبات الشعب الإرتري ، وإن احتفالات الاستقلال في إرتريا هذا العام اختلفت كثيراً في مضمونها وإن بدت للمشاهد العادي هي تكرار للاحتفالات السابقة  ولكن ومن خلال قراءات متأنية يمكن للمشاهد أن يلتقط بعض الصور الحية التي لا تخطئها العين البصيرة.

من البديهي أن يختلف احتفال الاستقلال لهذا العام لأنه يأتي بعد حركة (21) يناير التي تعتبر الأولى من نوعها والتي جعلت من النظام الحاكم يعيد الكثير من حساباته ولكن يبدو أنها كانت على شاكلة ذر الرماد على العيون وأتناول هنا بعض المشاهد التي أثارت فضولي في الكتابة وهي: 

المشهد الأول: أن الاستعدادات لاحتفالات هذا العام في العاصمة والأقاليم تميزت بالدقة والإعداد المبكر في محاولة من الجبهة الشعبية للتقليل من حالة الغموض السياسي التي رافقت أحداث حركة (21 يناير ) والتي ألقت بظلالها على كل جوانب الحياة في داخل إرتريا وخارجها ووسط الإرتريين في المهجر والمنافي.

المشهد الثاني: كان إبراز اللغة العربية في احتفالات الأقاليم والاحتفال الختامي واضحاً وبالتحديد في ترجمة كل الفقرات التي تم تقديمها والترجمة الحرفية لكلمة رئيس الدولة، فهل هذا يعني مراجعة حسابات الجبهة الشعبية تجاه مواطنيها من المسلمين والذين بنت دولتها على أجسادهم؟

أما أن الأمر لا يعدوا أن يكون مجرد تمويه من أجل كسب الوقت لإكمال طمس العربية وإحراق أهلها؟

المشهد الثالث: كان الحضور الكبير للسيد الأمين محمد سعيد لافتاً للنظر بالرغم من الاعتلال  الكبير الظاهر على صحته نتيجة لظرفه التي لا تخفى على أحد فهل كان ذلك تعويضاً لرموز الحكومة من أبناء المسلمين الذين لحقت بهم لعنة أحداث الواحد والعشرين من يناير 2013م أم أن الأمر غير ذلك فأين إبراهيم توتيل وأين …..وأين الآخرون؟

المشهد الرابع: شهدت احتفالات هذا العام ظهور كبير غير مسبوق لقومية الرشايدة خارج نطاق تواجدها في أقاليم إرتريا ، وهذا يأتي في الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام بأن بعضاً من أفرادها يمثلون العناصر الأساسية في قضية الاتجار بالبشر والتي راح ضحيتها الآلاف من الشباب الإرتري في الحدود بين ارتريا والسودان ، فهل هذا الظهور الكبير بتلك الصورة الغير مألوفة يعني تدشين تحالف الرشايدة والحكومة الإرترية في مشروع الاتجار بالبشر – كما تتهم المعارضة الطرفين بذلك – أم أن الأمر له أبعاد سياسية أخرى تتعلق بما وراء الحدود؟

والجدير بالملاحظة أيضاً والمتعلق بهذا الأمر لأول مرة يتطرق الرئيس الإرتري في مثل هذه المناسبات لقضية الاتجار بالبشر بقوله : أن جهات تحاول إفراغ البلاد من الشباب.

 المشهد الخامس: من المألوف في احتفالات أعياد الاستقلال السنوية إظهار القوميات التسعة بتراثها وتنوعها الثقافي وخاصة في الاحتفالات المحلية لكل إقليم أما الجديد في هذا العام هو ظهور قبائل الهوسا بكل تراثها في احتفالات اقليم القاش بركة فمن حق المشاهد أن يتساءل : هل أصبح هؤلاء القومية العاشرة في إرتريا أما أن الأمر له أبعاد أخرى في إطار سعي الحكومة للتغيير الشامل لكل ما يمكن أن يضمن لها البقاء لوقت أطول ويكون تعويضاً لقواعدها التي أصبحت تتساقط مثل أوراق الخريف خاصة في الداخل قبل الخارج.

ومن الملاحظ أيضاً أن المسرحية الرئيسية التي قدمت في الاحتفال الختامي كانت باللغة البجاوية ، فهل هذا يعني رسالة مباشرة لكل من : إيلا وموسى محمد أحمد وما هي العلاقة بين تلك المسرحية وإلقاء كلمة الوفد الإرتري المشارك في افتتاح مهرجان الثقافة والسياحة لولاية كسلا باللغة البجاوية؟

المشهد السادس: تميزت الاحتفالات السابقة بحضور نوعي من الأصدقاء والأشقاء ولكن احتفالات هذا العام شهدت غياب كامل للحضور الرسمي من وفود الدول التي دأبت على وخاصة السودان ، حيث أن مشاركته في احتفالات استقلال ارتريا 2013م لم تتجاوز  ولاة الولايات الحدودية ( كسلا – البحر الأحمر ) بالإضافة إلى مساعد الرئيس ( موسى محمد أحمد ) والذي يبدو هو الأخر أن مشاركته كانت شخصية ويلاحظ ذلك من خلال جلوسه خلف المقاعد الأمامية ، فهل هذا الإحجام للمشاركات الرسمية الخارجية له ما يبرره كعدم رغبة إرتريا في ذلك أم أن الأمر يصب في اطار العزلة الاقليمية التي تشهدها الحكومة الإرترية

هذه كانت  مجرد قراءات لأحداث الاحتفالات وفي تقديري أنها رسائل مختلفة ومتعددة في كل الاتجاهات يجب أن يستفيد منها:

أولاً: المعارضة الإرترية والأشقاء في بعض دول الجوار الإرتري وربما تكون تلك المشاهد هي صورة حية لما تعيشه الحكومة في أسمرا.

 ثانياً: أن من بين تلك الرسائل ما هو موجه للأشقاء في بعض دول الجوار الإرتري ، وربما تكون تلك المشاهد صورة حية لما تعيشه الحكومة في اسمرا ويظهر بعضاً من سياساتها على الأقل في المستقبل القريب.

التعليقات معطلة.