يمثل التعليم من أهم مقومات للتنمية المستدامة لأي أمة تنشد التقدم وتأخذ بأسباب البقاء الحقيقي ، و بالرغم من أن الحكومة الإرترية  نجحت في بناء بعض المدارس وأصدرت عدداً من المناهج التعليمية خلال السنوات الماضية لكننا نجد أن العملية التعليمية تسير على غير هدى ، هذا ليس بغياب الخطط والنظريات ولكن يبدو أن من يخطط لا يملك مؤهلات التخطيط – وأن فاقد الشيء لا يعطيه – وهناك أسباب  عديدة ربما أدت إلى فشل سياسية التعليم في إرتريا خلال ما يقارب ربع قرن من الزمان وهي عمر الدولة الإرترية بعد الاستقلال:

أولاً: التخبط في إصدار القرارات المتعلقة بلغات التدريس حيث أصدرت الجبهة الشعبية في عام 1992م مرسوماً ينص بأن اللغتين العربية والتجرنية هما لغتا التدريس الأساسيتين في إرتريا ، ولكنها تراجعت عنه بعد ثلاثة سنوات ( 1995م ) ، حيث قامت حكومة الجبهة الشعبية بإصدار تعميم إلى مديري المدارس الابتدائية باعتماد لغة الأم في التعليم والذي رفضه وزير التعليم في ذلك الوقت السيد/ برخت هبتي سلاسي ؟!!! ولكننا نجد أن أول من قام بتنفيذ هذا القرار – التعليم بلغة الأم – هو السيد/ عثمان صالح عندما أصبح وزيراً للتعليم !!!!!!!!.

ثانياً: عدم وجود الكادر التعليمي المؤهل ابتداءً من واضعي ومصممي المناهج التعليمية وانتهاءً بالمعلمين الذين أغلبهم ممن اقتادهم الحكومة إلى ما يسمى بالخدمة الوطنية والتي لا تنتهي إلا بالهروب أو الموت!!.

ثالثاً: عدم وجود إستراتيجية واضحة من خلالها تتم عملية متابعة وتقييم وتقويم التعليم في كل جوانبه حيث أن كل الدلائل ومخرجات التعليم خلال الفترة الماضية تؤكد ذلك فبالرجوع إلى خطة وزارة التعليم الإرترية التي أعدتها في عام 2005م كان من المفترض أن يكون عدد الطلاب في الفصل الدراسي الثالث الثانوي للعام الدراسي 2012/2013م عدد ( 40,400 طالب ) ويقبل منهم في التعليم الجامعي ( 14,400 طالب ) ولكننا في الواقع نجد حقائق مذهلة تؤكد عشوائية وفشل سياسة التعليم وغياب تام لما يمكن أن يسمى بخطط التعليم وذلك يتضح من خلال الحقائق التالية:

أن العدد الذي جلس لامتحان الشهادة الثانوية للعام 2012/2013م هو 19,147 طالباً وطالبة ، لم ينجح منهم فقط إلا 30% ووفقاً للنتيجة المذكورة فإن العدد الذي يمكنه الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي في مرحلتي الدبلوم والبكالوريوس هو (5742) طالباً وطالبةً( المصدر : جريدة إرتريا الحديثة –  السبت 2/8/2013م) ، وهذا يعني فشل خطة التعليم المذكور بنسبة 60% وهذا بالتأكيد يعني فشل التعليم ويحتاج إلى مراجعة شاملة في كل جوانبه.

ويعتقد الخبراء أن أي نسبة إخفاق تتجاوز ألـ 25% تعني فشل الخطة وأن ذلك يشير إلى أن الخطة بنيت على أسس غير علمية وبعيدة جداً عن الواقعية وغير قابلة للتقييم والتقويم والمراجعة ، بل الأمر يتطلب إيجاد خطة بديلة تكون قابلة للتطبيق وفقاً للمعايير المتفق عليها والمعروفة عالمياً في مثل هذه الأشياء.

ومن الأشياء التي تؤكد إقرار الحكومة الإرترية بفشل العملية التعليمية نتائج منتدى تقييم التدريس بلغة الأم والذي أختتم في أغسطس 2013م و قدمت فيه ورقة واحدة وكان من أبرز توصياتها:

  1. إعداد الكادر المؤهل والذي ذكرنا أن غيابه  يعتبر أحد أهم عوامل فشل التعليم والتدني الكبير الذي رافق مسيرته خلال السنوات الماضية.
  2. إيجاد كتب للمطالعة وبالتأكيد فإن وجود الكتاب يعتبر أحد أهم مرتكزات نجاح التعليم فبدونه ستخضع العملية التعليمية إلى اجتهادات الأفراد من المعلمين وتخريج أجيال متباينة في مستوياتها الأكاديمية.
  3. البحث عن حلول عاجلة لفروق اللهجات التي تواجه اللغة الواحدة وهذا أيضاً يؤكد غياب المنهج الموحد لكل لغة من لغات الأم حيث يدرس أهل كل منطقة ومنسوبي كل مدرسة  بطريقتهم الخاصة ، ولكن هذا بالتأكيد لا ينطبق على اللغة التجرينية والتي كانت سياسة التعليم بلغة أحد أهم عوامل تمكينها ولاسيما أنها كانت لغة التعليم بالنسبة لنصارى إرتريا في عهد الاستعمار الإثيوبي ؟!وأحد أهم عوامل وحدتهم وهيمنتهم على حساب الغالبية العظمى من سكان ارتريا.
  4. توفير الكتاب المدرسي وهذا يؤكد أن المدارس التي تعتمد لغة الأم في التدريس ما هي إلا مراكز لتكريس الأمية وتجهيل الأجيال وحرمانها من التعليم الحقيقي ، حيث لا كتاب ولا لغة ولا منهج علمي ولا رعاية من قبل القائمين على الأمر فيكف بنا أن نتصور مستقبل بلد يساق أكثر من نصف أطفاله إلى الأمية سوقاً بطريقة محكمة ترعاها الدولة بصورة دقيقة.

وخلاصة القول أن ما يجري من ممارسات هدم لمسيرة التعليم في ظل الحكومة الإرترية الحالية ، يعنى خلق جيل فاقد للهوية والثقافة والتراث المشترك والذي يعتبر أهم مقومات الأم الواحدة. كما أن سير التعليم بهذه الطريقة حتماً سيقود إلى تكريس الأمية وعدم المساواة بين أفراد المجتمع الذين يجمعهم الوطن الواحد ، وهذا بالتأكيد سيقود إلى خلق ثقافات ومفاهيم متباينة تهدد وحدة الأرض وتماسك المجتمع وبالتالي فقدان كل القيم التي مهرها الشعب الإرتري بأغلى ما يملك .فإذا كان هذا هو حصاد التعليم خلال ما يقارب ربع قرن من الزمان فماذا سيكون حصاد الاقتصاد والزراعة والتعدين وكل مرافق الدولة ومقومات بقائها ، وفي ذلك يرى كثير من المراقبين أن وصف إرتريا بالدولة الفاشلة أقرب إلى تشخيص الحالة التي تعيشها هذه الدولة التي يمكن أن نقول عنها أنها غريبة الأطوار في كل شيء.

التعليقات معطلة.