تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا منذ انشقاقها عن )جبهة التحرير الإرترية-قوات التحرير الشعبية( في عام 1975م وظهورها كتنظيم مستقل في الساحة الإرترية، عقدت مؤتمرها العام في عام 1977م، من أكثر التنظيمات تماسكا خلال فترة الكفاح المسلح حيث لم تتعرض الي أي انشقاقات داخلية تذكر.

     وفي أقل من عقد (1975-1981م) استطاعت الجبهة الشعبية أن تشكل الساحة العسكرية داخل ارتريا بتحالفاتها الداخلية مع الجبهة الشعبية لتحرير تقراي الحاكمة في اثيوبيا اليوم وأن تخرج أقوي التنظيمات السياسية والعسكرية آن ذاك جبهة التحرير الإرترية من الساحة محققة بذلك ما أشبه بالانفراد بالساحة العسكرية في ارتريا، في ذات الاتجاه وبخطوات متصارعة وفي أقل من عقد آخر حققت الانتصار بدحر المستعمر الإثيوبي واعلان تحرير كامل التراب الإرتري في 24/مايو/1991م، وذلك أيضا بالتعاون والتنسيق مع حليفتها الجبهة الشعبية لتحرير تقراي التي هي الأخرى استلمت مقاليد السلطة في العاصمة اديس أبابا، وبمباركة وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية.

  • واليوم بعد مضي (23)عاما من قيام اول حكومة وطنية، تدور العديد من الأسئلة من اهمها.

هل استطاعت الجبهة الشعبية أن تنهي حالة الانقسام الداخلي للقوي السياسية الإرترية التي كانت قائمة خلال فترة الكفاح المسلح؟

  • الي أي مدي تمكنت الجبهة الشعبية أن ترسي دعائم النظام السياسي الذي يلبي طموحات الشعب الإرتري؟
  • ما هو المشروع السياسي الذي تحمله الجبهة الشعبية لحكم ارتريا في المستقبل؟
  • متي تعيش ارتريا في حالة سلام داخلي وخارجي؟
  • هل النسيج الاجتماعي في ارتريا يتجه نحو الوحدة والائتلاف أم العكس؟
  • متي تنتهي حالة الطوارئ وتحكم ارتريا بالقانون؟
  • متي سيحاكم المعتقلون السياسيون؟
  • كم تبقي من عمر عطاء قيادات الجبهة الشعبية ورموزها ومؤسسيها؟
  • هل الحزب الحاكم في ارتريا في صعود أم انحدار؟
  • ما هي طبيعة الصراعات داخل الحزب؟
  • وما هي أسبابها؟

    هذه وغيرها أسئلة مشروعة تدور في ذهن كل متابع للشأن الإرتري، والإجابة عليها ربما تحتاج الي سفر كامل وليس مجرد مقال، ولهذا مع التأكيد علي أهميتها وترابطها سوف أجاوب علي السؤال الأخير وذلك من خلال ابراز مظاهر الصراع السياسي داخل الحزب، وتلمس مظاهر التراجع في البناء التنظيمي للحزب.

  • النزاع الإرتري الأثيوبي:

    انتهت الفترة الانتقالية التي تكونت في 19/5/1993م فور اعلان نتيجة الاستفتاء واعلان الاستقلال ولمدة أربع سنوات وذلك في 19/5/1997م، وكان من مستحقات المرحلة الانتقالية اعداد الدستور والقوانين المنظمة للحريات واجراء الانتخابات العامة، وبالفعل تمت اجازة الدستور، وقانون الصحافة والمطبوعات، وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وانتهي عام 1997م دون أن تتخذ الحكومة الانتقالية أي خطوة عملية نحو الانتخابات العامة والتحول الديمقراطي، ثم فجأة دخلت ارتريا في صراع ونزاع حدودي مع اثيوبيا في منطقة (بادمي). تصاعد الصراع بين البلدين بشكل متصارع دون اعطاء فرص كافية للحلول السلمية وذلك خلال الفترة(1998-2000م)وبعد أن حققت أثيوبيا انتصارا علي النظام الإرتري وبعد خسائر مادية وبشرية ولجوء ونزوح الآلاف من المواطنين أعلنت الحكومة الإرترية قبولها بالوساطة الجزائرية في يونيو2000م في الوقت الذي ظلت ترفض فيه أي وساطة لحل النزاع قبل حدوث المواجهة الأخيرة في تلك الحرب.

     كانت الحرب مأساة من كل الجوانب بالنسبة لإرتريا وهزيمة عسكرية وسياسية واقتصادية، وكانت بمثابة القشة التي قسمة ظهر البعير وسببا في ظهور خلافات الحزب الحاكم الي السطح، وذلك من خلال الاختلاف حول الحرب وتقييمها، ومن المسؤول عن تفجيرها؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا خسرتها؟

كل هذه الأسئلة ظلت حائرة لم تكن لها أي اجابات صريحة من قبل الرئيس أفورقي ومن يدور حوله.

  • ظهور الصراع السياسي داخل الحزب:

  1 ـ ظهور مجموعة الإصلاحيين الـ (15) نتيجة للتباين حول أسباب الحرب وتقييم نتائجها أخذ الخلاف شكلا سياسيا وبرزت رؤيتان داخل الحزب الحاكم:

الأولي: تطالب بإصلاحات سياسية والإسراع بعملية التحول الديمقراطي والتعددية السياسية ويقودها نائب الرئيس ووزير الحكم المحلي محمود شريفو ومعه نخب من القيادات العليا للجبهة الشعبية علي المستويات التشريعية والتنفيذية للحكومة والحزب والتي عرفت فيما بعد بمجموعة الإصلاحيين الـ (15) وهم بطروس سلمون وزير الثروة المعدنية، هيلي ولدي تنسائي وزير الخارجية حينها، حامد حمد سفير ارتريا بالسودان الأسبق، مسفن حقوص وزير الدفاع الأسبق، هيلي منقريوس مندوب إرتريا لدى الأمم المتحدة وغيرهم، وكانت وجهة نظرهم في أن تركز القرار فيد الرئيس أدى إلى غياب المؤسسات الحزبية ـ اللجنة المركزية ـ ومؤسسات الدولة المجلس الوطني.

الثانية: تطالب بإبقاء كل شيء علي ما هو عليه مبررة زعمها بأن الوضع في ارتريا غير مهيأ لإجراء أي تغييرات اصلاحية، يقود هذا الرأي الرئيس اسياس أفورقي وبعض القيادات الشبابية المتطلعة للمناصب والأضواء.

     وجد الاتجاه الأول مناصره من الداخل والخارج، منذ أواخر عام 2000 بدأت بوادر الخلاف داخل الحزب الحاكم تبرز الي العلن، بدا ذلك بمذكرة برلين للعناصر السياسية والأكاديمية الأساسية في عضوية الجبهة الشعبية أي مجموعة برلين الـ (13)كان من أبرزهم برخت هبتي سلاسي رئيس مفوضية الدستور الإرتري لعام 1997م، ومرورا بالمذكرة المفتوحة الموجهة الي قواعد وجماهير الجبهة الشعبية الموقعة في مايو2002م من قبل المجموعة الإصلاحية الـ(15)، واخذت الصحافة الخاصة والمستقلة مكانتها بين الأحداث ومعبرة عنها، وعن ارادة المجتمع الإرتري، وبينما الحال كذلك والنظام الإرتري في حالة ترقب فاذا بظروف دولية مواتية تلوح في الأفق وذلك من خلال انشغال العالم بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فاذا بالنظام ينتهز هذه الفرصة ويقوم خلال يومي (18 ـ 19) من شهر سبتمبر بشن حملات اعتقالات شعواء ضد المجموعة الإصلاحية وكوادرها حيث تم اعتقال (13) من المجموعة الإصلاحية الـ (15)، بالإضافة للصحفيين في الصحافة الخاصة والمستقلة، وكذلك العديد من الكوادر والقيادات التي يتوقع أنها من المتعاطفين مع الإصلاحيين، والجدير بالذكر أن الاعتقالات لم تكن وليدة عام 2001م بل بدأت منذ مطلع عام 1992م حيث تم اعتقال العشرات من معلمي المعاهد الإسلامية في عدد من المدن الإرترية، ومئات من مختلف شرائح المجتمع الثقافية والسياسية ودون وجه حق ظلوا حتي يومنا في السجون دون أي محاكمات.

     عند بداية حملة الاعتقالات لقيادات الحركة الإصلاحية في الداخل بدأ أنصار حركة الإصلاح بالخارج من عضوية الجبهة الشعبية وغيرها ينظمون صفوفهم من أمثال -وزير الدفاع السابق مسفن حقوص، وسفير ارتريا السابق  لدي الأمم المتحدة هيلي منقريوس، وسفير ارتريا في نيجيريا أدحنوم قبري ماريام، وسفير ارتريا بالدول الإسكندنافية آن ذاك حبرت برهي، ولحق بهم سفير ارتريا بالصين محمد نور أحمد، وسفير ارتريا بالسودان عبد الله أدم، مكونين بالخارج الجبهة الشعبية، والحزب الديمقراطي، وغيرهما من التنظيمات حيث أصبحوا جزء من معسكر المعارضة للنظام.

 2- حركة الحرية الآن:

    بدأ النظام يلتقط بعض أنفاسه ظنا منه بانه استراح من شر ما يعرف بالمجموعة الإصلاحية، علي الأقل في الداخل بعد ان اودع قياداتها وكوادرها الأساسية السجون، فاذا به بعد ثلاث سنوات فقط امام تحد آخر من نفس النوع حيث أصبح سكان مدينة أسمرا يوم 23/11/2004م أمام بيانات ملصقة علي غمارات (كابينات) الاتصالات وحوائط المباني تعلن عن ميلاد (حركة الحرية الآن) واعلنت الحركة في بيانها الصادر بتأريخ 15/3/2005م عن اهدافها التي يمكن تلخيص اهم ما جاء  فيها في الآتي:

  1. اقامة نظام تعددي ديمقراطي فدرالي علي أنقاض النظام الدكتاتوري الحاكم.
  2. بناء جيش قوي فاعل بعيدا عن الحزبية والطائفية.
  3. اعادة النظر في برنامج الخدمة الوطنية غير المتناهية.
  4. اجراء تغيير جوهري في نظام التعليم بما يحقق تطلعات الأجيال ويواكب العصر.
  5. اقامة دستور وطني يكرس التعايش السلمي.
  6. اطلاق الحريات العامة.

     النظام كعادته ترك لهذه المجموعة بعض الوقت للتحرك وتتصل وتعلن عن نفسها خاصة عبر وسائل الاتصالات الإلكترونية حيث لا يوجد غير ذلك وهو يراقب ويرصد كل تحركاتها، وبعد أن تأكد من رصد كل العناصر القائمين عليها لجأ الي اسلوبه المعتمد في معالجة القضايا حيث قام بحملة اعتقالات أشبه بتلك التي قام بتنفيذها ضد المجموعة الإصلاحية (15) حيث أودع  كل من يعتقد بأن له صلة بالمجموعة في السجون منهم طه محمد نور من مؤسسي جبهة التحرير، والفنان ادريس محمد علي، والصحفي حامد سعيد الذي لفقوا ضده تهمة التخابر مع دولة أجنبية .

وبالنظر إلى مطالب مجموعة الإصلاحين الـ (15)، فإن هناك ما يؤكد أنها كانت امتدادا لها، وهكذا فهم النظام وتعامل معها بذات القسوة.

ثالثا: حركة 21 يناير 2013م  

     ظهرت الحركة بعد مرور اثني عشر عاما من حركة ما عرف بمجموعة الإصلاحيين الـ (15) ومرور ثمانية اعوام من آخر محاولة اصلاحية سبقتها هي (حركة الحرية الأن).

     حركة 21 يناير هي حركة عسكرية قيادة وقاعدة، والمتابع لمجريات الأحداث يجد انها كانت تحظي بتأييد واسع من داخل وزارة الدفاع، وإن لم يتجسد ذلك بالتأييد في التحرك الميداني لأسباب تعود لكشف المخطط من قبل بعض المشاركين في التنفيذ في اللحظات الأخيرة.

     إن جميع من شاركوا في الحركة او اتهموا بالتعاطف معها هم من داخل ارتريا، ومن داخل صفوف تنظيم الجبهة الشعبية، الحزب الحاكم في ارتريا، عسكريين ومدنيين.

     هذا وقد حظيت الحركة في الخارج بتأييد وتفاعل واسع حيث أصدرت العديد من تنظيمات قوي المعارضة بيانات التأييد والمناصرة، كما تم تنظيم العديد من مسيرات ومظاهرات التنديد والشجب بالنظام، والتأييد للعسكريين في العديد من العواصم الأوروبية من قبل الجاليات الإرترية المقيمة هناك.

     المجموعة التي تحركت بالفعل وحاصرت مبني وزارة الإعلام وأذاعت جزء من بيانها السياسي الذي كانت كل مطالبه سياسية، تمثلت في اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تطبيق الدستور المجمد، اجراء الانتخابات العامة، هي مجموعة واحدة كان يقودها العقيد / عثمان صالح وهو من العناصر المشهود لهم بالكفاءة العسكرية والإدارية قاد الفرقة رقم 17 أثناء الحرب الارترية الأثيوبية في عام 2000 والتي دافعت عن ميناء عصب مخالفا أوامر اسياس بالانسحاب، وهو يحظى  بتأييد واسع داخل قوات الدفاع الإرترية.

    لعل الحركة بدأت بالمطالب السياسية لكونها المدخل الصحيح لمعالجة بقية القضايا، ولكن للجيش مطالبه ومشكلاته الخاصة والتي لم تجد من يلتفت اليها جديا لأكثر من عقدين، حيث يعاني من أوضاع اقتصادية مزرية، وخدمة عسكرية غير منتظمة وغير متناهية الأجل، هذا مع  الشعور بالغبن بتبديد الأموال علي قلتها في تأسيس مليشيات عسكرية جديدة تعمل كقوات موازية لقوات الدفاع الإرترية، الأمر الذي أثار حفيظة الجيش لرفع صوته جهرا.

  • موقف الحكومة:

     ظهر جليا في بادئ الأمر أن الحكومة تفاجأت بالحدث كغيرها وضربت علي نفسها هالة  من الصمت المريب، الا ما كان من رسالة بعث بها جهاز الأمن الخارجي بتأريخ 23/1/2013م الي سفارات ارتريا بالخارج وصفت ما حدث من حركة الجيش في فورتو أي (القلعة) بأنه تطرف ديني، وحالة من عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية، والتأكيد علي أن هذا التصرف سوف يواجه بالحسم اللازم مهما بلغ حجم مؤيديه من وزارة الدفاع، يلاحظ ان هذه الرسالة أرادت ان توجه السفراء بالاتي :

  1. تشويه هذه الحركة امام الرأي العام المحلي والعالمي بانها ذات توجهات دينية.
  2. تهديد السفراء بان لا يكونوا جزءا من هذه الحركة ويوفروا لها سندا سياسيا بالخارج .

    والناظر من الناحية العملية لكيفية تصرف هذه المجموعة يجد أنها لم تعط أي مبرر للنظام لاتهامها بالإرهاب الذي أصبح شماعة لتعليق الفشل بالنسبة لرؤساء دول العالم الثالث، فوزارة الإعلام التي حاصرتها المجموعة بخمس دبابات لم يصاب فيها ولو شخصا واحدا، كما لم تدمر أي ممتلكات، ولكن هي محاولة يائسة من النظام للتشويه وأن النظام يكفي عنده لاكتمال أركان جريمة الإرهاب ان يكون أبرز قادة الحركة هم من أبناء المسلمين حتي ولو كانوا من رحم الجبهة الشعبية.

     بعد ذلك قامت الحكومة بحملة اعتقالات واسعة كان عدد المعتقلين في الأيام الأولي نحو 130 معتقلا و95 معتقلا من المسلمين و35 من المسيحيين، ومازالت الاعتقالات مستمرة لتبلغ نحو(187) شخصا حسب مصادر مطلعة، شملت كل القطاعات (قوت الدفاع الإرترية، قيادات عليا من الشرطة، والخدمة المدنية، والحزب الحاكم، وكان من أبرزهم عبد الله جابر – المسؤول التنظيمي للجبهة الشعبية، مصطفي نور حسين – حاكم الإقليم الجنوبي ـ ابراهيم توتيل- حاكم اقليم شمال البحر الأحمر الأسبق، مدير شرط اقليم عنسبا، مدير شرطة الاقليم الجنوبي، وغيرهم ويلاحظ ان معظم الذين شملتهم الاعتقالات هم من أبناء المسلمين.

     ظلت الحكومة بعد رسالة جهاز الأمن صامتة لأكثر من ثلاثة أسابيع أي بعد 24 يوما من الحدث اجرت الفضائية الإرترية مقابلة قصيرة مع الرئيس الإرتري بشأن حركة 21 يناير، الا أنه لم يدل بأي افادات تذكر حول المحاولة وحجمها واهدافها وطبيعة القائمين عليها؟  و كيفية التعامل معها؟

    فقط أشار الي أنها حركة محدودة، وتمت السيطرة عليها، وسكت هذه المرة علي غير العادة عن توجيه الاتهامات رغم علمه بالجهات الضالعة في التنفيذ.

     أما حول سكوتهم عن بيان الحقائق المتعلقة بالأحداث طيلة هذه الفترة قال: ما أردنا أن نعطي مادة لنشر الأكاذيب ونسج الأباطيل!.

    ولكن في الحقيقة تنشر الأكاذيب عندما تغيب الحقائق ولهذا فان أفضل وسيلة لمحاربة الإشاعات والأكاذيب هو تمليك الناس الحقائق ولهذا قال الفقهاء- لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

     واليوم الحكومة الإرترية تقف حائرة بين أن تمضي في اتهاماتها الجوفاء، واعتقالاتها العشوائية للناقدين من أبناء المسلمين داخل قوات الدفاع الإرترية، والشرطة، والحزب الحاكم علي قلتهم، وبذلك تدخل كل البلد في فتنة طائفية معلنة لا تبقي ولا تذر، أم تتراجع وتبحث عن مخرج لمأزقها السياسي والعسكري.

    والسؤال الذي يطرح نفسه الي متي تظل معالجات مشكلات الوضع السياسي في ارتريا أمنية؟

 كلما قامت مجموعة تنادي بالإصلاح والتحول الديمقراطي أودعت في السجون! ثم تظل في السجن دون محاكمات، و الحقيقة التي يعلمها كل مراقب أن الكبت والقهر والقتل والتشريد ومصادرة الحقوق لا تحقق استقرارا سياسيا وأمنيا ومن يظلم الناس يظلم. ولهذا فان على الحزب الحاكم في ارتريا أن يدرك أن الوقت قد آن في أن يفكر جديا من أجل مصلحته أولا قبل مصلحة الأخرين، في إيجاد مخرج وحل سياسي لأزمة ارتريا السياسية، فحزبه يتآكل من أطرافه، و هو لم يعقد مؤتمره لمدة(19)عاما منذ انعقاد آخر مؤتمر له بعد الاستقلال في عام 1994م، معظم قياداته إما مغيبة في السجون، أو فرت بجلدها وعبرت القارات بحثا عن فضاءات أوسع للتعبير عن الحقوق والحريات والانتماء السياسي بعيدا عن حزب الجبهة الشعبية الذي ضاق بالأقربين من أهله، ناهيك أن يكون وعاء جامعا لكل ألوان الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي في ارتريا بكل تعقيداته الحالية، ومنهم من أصبح خارج السرب بحكم السن وأعراض الشيخوخة –الأمين محمد سعيد الأمين العام للحزب، رمضان محمد نور أول أمين عام للجبهة الشعبية والأمثلة تطول.

      هذه المحاولات المتكررة للإصلاح من الداخل مجموعة الإصلاحيين الـ (15) حركة الحرية الآن، حركة 21 يناير، انشقاق مسئولين كبار ووزراء، تؤكد حقيقة واحدة أن البطش قد يطيل الطريق لكنه لا يثني عزيمة الرجال، وأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، فليهنأ أفورقي وزمرته بأن ينتقلوا من خوف الي خوف ومن تمرد الي تمرد أشد، لأن العنف لا يدل الا عنفا مثله أو أشد، فالخيار خيارهم إما العيش في نكد، وإما العيش في سلام، سلام حقيقي علي المستوي المحلي والإقليمي والعالمي، وفي دول الإقليم لكم أسوة (اثيوبيا – السودان – جيبوتي – كينيا). الحرية حق لهذا الشعب العظيم الصابر الصامد الذي حملكم وحمل زادكم وسلاحكم علي جمله وبغله وحماره، بل علي أكتافه العارية واجسامه الهزيلة فهل يستحق أن يحرم حتي من نسيم الحرية التي كافح من أجلها بالسنان واللسان ثلاثون عاما؟ مضحيا بأعز ما يملك النفس و  المال، ثم تريدون منه ان يستكين كلا – وألف كلا.

التعليقات معطلة.