تختلف طبائع وأنماط الأنظمة الاستبدادية من بلد إلى آخر حسب مكوناتها البشرية والعقيدة الأيدولوجية التي تؤمن بها،والغايات التي تسعي لتحقيقها من خلال ممارستها للقهر والظلم واستعباد الشعوب الحرة،ومع ذلك يظل القاسم المشترك بين تلك الأنظمة القهـرية أنها وباء على شعوبها وسبب معاناتها وتخلفها وضياع هويتها وفقدانها الأمل في حياة كريمة تسودها الحرية والعدالة والمساواة، ولمعرفة طبيعة تلك الانظمة الاستبدادية وأهدافها والوسائل التي تستخدمها في ظلمها وقهرها للشعوب أجرى العديد من الباحثين والأكاديميين دراسات تحليلية معمقة عن طبيعة مكونات تلك الأنظمة، والبيئة التي نشأت فيها والسيكولوجيا النفسية للقيادات التي أوجدت تلك النماذج الدموية لممارسات الحكم، وكيف يصنع هؤلاء المستبدين أعوانهم، كما درس الباحثون الطرق التي تم التخلص بها قديما وحديثا من أكبر الشخصيات الاستبدادية في مختلف العصور التاريخية،ومما زاد من أهمية تلك البحوث تمكن العديد من الباحثين من الاطلاع علي المذكرات اليومية والوثائق السرية الخاصة ومحاضر اجتماعات هامة لكثيرمن رموز الأنظمة الاستبدادية البائدة من أمثال لينين وإستالين وهتلر وغيرهم، وقد ساعدتهم الوثائق التي اطلعوا عليها على تقديم تحليلات علمية عميقة عن أمزجتهم العصبية وتصرفاتهم الدموية والحالة الجنونية التي يعيشها هؤلاء في معظم أوقاتهم، كما تم التعرف على طرق تفكيرهم ومستوي ثقافتهم ونشاطاتهم اليومية وطرق اتخاذهم للقرارات المصيرية وغيرها.
ويوجد شبه إجماع بين الباحثين والمهتمين بهذه الظاهرة بأن جوزيف ستالين الذي حكم الاتحاد السوفييتي حوالي ثلاثين عاما يعتبر أشد نظام استبدادي عرف بقسوته وقهره للشعوب في العصر الحديث، فقد كان دكتاتورا قاسيا متوحشا مارس إرهاب الدولة ضد المواطنين الأبرياء بأبشع الطرق، وكان ذو قلب قاسي، جوع الشعب متعمدا، ونشر الخوف بممارسته للعنف في البلاد، وفرض العسكرة في المجتمع، وعمل بشكل ممنهج في إفساد أخلاقهم، واستبدل العلم وأهله بالجهل، وقام باعتقال مئات الآلاف وتصفيتهم في السجون السرية، وحتي رفقاء دربه لم ينجوا من التصفيات الجسدية، كما مارس الترحيل القسري، وتسبب في هروب الألاف من السياسيين مما جعل الاتحاد السوفييتي في فترة حكمه أكبر بلد يشهد هروب دبلوماسيين وسياسيين ومواطنين في أوروبا.
والمتأمل في حالتنا الارترية والوضع الذى تعيشه البلاد منذ عشرين عاما تحت حكم الرئيس اسياس أفورقي يجد أن هناك تشابها كبيرا بين أسلوب الحكم الذي يطبقه اسياس حاليا ونهج الحكم الذي كان يمارسه إستالين في الثلاثينات من القرن الماضي، بل إن هناك ثمة تقاطع بين شخصية الرجليين وتشابه في تصرفاتهما الجنونية، مما يؤكد أن أفورقي قرأ بشكل جيد نهج الدولة الإستالينية وطبقه بشكل حرفي في إرتريا، واذا كان هناك من مجال برع فيه أفورقي أكثر من إستالين فيرجع ذلك تفاديه بعض الأخطاء التي وقع فيها إستالين ومن بينها تعامله العلني مع الخوف والرعب الذي كان يمارسه وإعلانه في التجمعات الكبرى عن سروره بالجرائم التي كان يرتكبها ضد الشعب، أما أفورقي فقد انتهج النمط السري في تنفيذه للقهر والاستبداد والتصفيات الجسدية مما جعل كثيرا من المراقبين تنقصهم معلومات كافيه عن حجم الجرائم التي ارتكبت في إرتريا منذ وصوله الي سدة الحكم بسبب القبضة الأمنية وحالة السرية المطبقة التي يفرضها علي البلاد، لكن حتما عندما تتكشف الأمور سيذكر التأريخ اسياس أفورقي بذات الطريقة المستهجنة التي يذكر بها حاليا إستالين، ولا نستبعد أن تكون نهاية أفورقي شبيهة بنهاية إستالين التي كانت نهاية مؤلمة جعلت منه عظة وعبرة للمستبدين القادمين بعده.
- الإستالينية ومعالم تطبيقها في إرتريا:
يمكن تلخيص ما أورده د. محمد بن المختار الشنقيطي في مقال نشره في موقع “الفقه السياسي” 1/6/2011م بأن الدولة الستالينية قامت علي خمسة دعائم .
- عبادة القائد، وتماهي الدولة في شخصه، له يد في كل حركة وسكون، يحسب له الفضل والثناء في كل مصلحة تتحقق، وهو بريء من كل قصور أو تقصير.
- التشبث بالسلطة حتى الرمق الأخير، مع أمل عريض للبقاء، وسد النوافذ أمام الطامحين للمشاركة في الشأن العام، إلا لمن كان ظلا للحاكم، متملقا له، راضيا بجبروته وسطوته، ولا يفكر بالمشاركة الفعلية في الحكم.
- المركزية الطاغية التي تخنق كل إبداع او اندفاع، وتجرد المواطنين من صفتهم الإنسانية المشحونة بأشواق الحرية والكرامة، وتريد أن تختزلهم في صفتهم الحيوانية قطيعا يأكل ويشرب ويطيع قائده الي الأبد.
- القمع الوحشي لكل من تسول له نفسه نقد الحاكم المتأله، والتنكيل بكل من له رأي يتعارض مع رأي الحاكم ويريد ان يراقب السلطة ويحاسبها.
- الدعاية الإعلامية الفجة السطحية التي لا إيماءة فيها ولا إيحاء، وإنما هي غوغائية صريحة، وضجيج صارخ يغطي علي أصوات العقل والحرية والعدل والديمقراطية.
إذا أمعنا النظر في هذه الدعائم الخمسة التي قامت عليها الدولة الإستالينية فسنجد أنها تتجسد اليوم في نظام اسياس أفورقي الحاكم لإرتريا نهجا وممارسة، فعبادة القائد الفرد تترجم في إرتريا من خلال ممارسة أفورقي للحكم المطلق، وهو الوحيد الذي لا يرد رأيه، والفرد المطلق الذي لا تعرف حدود صلاحياته. وأما التشبث بالكرسي بالنسبة لا فورقي أمر مفروغ منه، وقد أخبر زائريه من وفد البرلمان الألماني حسب ما نشر في وثائق ويكيليكس اغسطس2008م إنه يأمل ان يعيش ثلاثين او أربعين سنة وانه سيستمر في حكم البلاد، وطلب منهم إبلاغ القيادات الاوروبية بموقفه، ولهذا لا أحد يعرف حدود نهاية حكمه، وأما القبضة المركزية فكلنا يعلم أن الدولة بمختلف مستوياتها تدار من مكتب الرئيس وأدواته المتمثلة في أربعة تقسيمات للأجهزة الأمنية المرتبطة مباشرة بمكتب الرئيس، وذلك بعد أن تمكن من القضاء علي مؤسسات الدولة والحزب معا، وأما الإعلام الارتري ما هو إلا مرآة للدكتاتور كما وصفها بذلك تقرير الأزمات الدولية 2010 م يستخدمه كيفما يشاء لتحسين صورته أمام المجتمع، وتزوير الحقائق، ونشر انجازات كاذبة، والتعتيم علي الحالة المأساوية التي تعيشها البلاد. فيما يلي سنستعرض بشكل موجـز بعض الممارسات التي كان يقوم بها إستالين في مطلع القرن الماضي ويقوم أفورقي بتطبيقها اليوم في إرتريا.
- التعامل مع المؤسسات الدينية والمتعلمين:
كان إستالين يعتبر المؤسسات الدينية بأنها جهات متواطئة ضد حكمه وبأنها تعمل لصالح جهات خارجية، ولم يكتف بإغلاق تلك المؤسسات بل كان يقوم بإحراقها ويرسل بوليسه السري لسرقة ممتلكاتها، وكان يرسل برجال الدين إلى معسكرات التدريب والعمل الإجباري لإذلالهم وإهانتهم، ويعمل علي نشر الدعاية الإلحادية بوجودهم، و بما أنه كان يعاني من جنون العظمة كان يري أنه الأوحد على الساحة، في المقابل نجد اسياس أفورقي سار على نفس نهج إستالين حيث ناصب العداء لرجال الدين وأغلق المؤسسات الدينية والتعليمية وصادر ممتلكاتها، وكان رجال الدين الاسلامي أول من بدأت بهم حملة أفورقي القذرة في مطلع التسعينات بالاعتقالات ومن ثم تواصلت الحملة وشملت الجميع وكلهم في غياهب سجون أفورقي السرية ولا أحد يعلم عن مصيرهم. أوردت منظمة العفو الدولية في تقريرها عام 2011م أن المعتقلين من اتباع الكنائس الارترية وصل زهاء ثلاثة آلاف فرد ولم تتم محاكمتهم كام لم يطلق سراحهم، في المقابل يا تري كم يكون عدد المعتقلين من رجال الدين الاسلامي في سجون النظام الارتري !!؟؟
كان إستالين يري في المتعلمين والمفكرين عدوه الأول، وترك قناعة لدى كل من يريدون ممارسة الاستبداد بعده، إن العلم يتنا قض مع الاستبداد وإنهما لا يجتمعان، وأن المستبد لا يستطيع الاستمرار في الحكم الا إذا كانت الرعية حمقاء تتخبط في ظلام الجهل. والتجارب اثبتت بأن الحاكم المستبد لا يريد أن يري عالما عاقلا يتفوق عليه فكرا، فإذا اضطر مثلا إلى الطبيب والمهندس والإعلامي فإنه يختار الشخص الغبي المتصاغر المتملق له، و في هذا الإطار تأتي محاربة أفورقي للعلماء والمفكرين والإعلاميين واعتقالهم وإغلاق المؤسسات التعليمية بما فيها جامعة اسمرا والسيطرة الكاملة على التعليم وتبني سياسات تعليمية عنصرية غير عادلة بهدف تجهيل غالبية الشعب الارتري لكي تسهل له مهمة السيطرة على الحكم، وذلك اقتداء بإستالين الذي عمل بسياسة إبقاء الجهل والتخلف كما سمح من التعليم بما يتناسب واحتياجات دولته في تلك المرحلة وهي السياسة التي يطبقها أفورقي عبر انشاء كليات تخضع لوزارة الدفاع تدرس ديبلومات ودورات تأهيلية وفنية لمن يحصل من الطلاب الذين يكملون الثانوية في معسكر ساوا على التزكية من مسؤولي معسكرات التدريب الإجبارية وليس بناء على مقدراتهم ونتائج اختباراتهم الثانوية، كما يتم منعهم من حقهم في الحصول على التعليم الجامعي في خرق غير مسبوق للأعراف والحقوق المكفولة لهم، كما أن التأريخ سيسجل بأن إرتريا تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها كليات القانون، والإعلام، والعلوم الاجتماعية والسياسية وذلك لحاجة في نفس أفورقي حيث اوقف هذه الكليات منذ اغلاق جامعة أسمرا 2005م .
- سياسات الإرهاب الجماعي:
كان إستالين يرى أن استمرارية القمع والقهر للشعب وتجويعه وإبقاء الجهل والتخلف والفقر ونشر الرذيلة وتفكيك الأسرة وتحللها من القيم والأخلاق من أهم وسائل السيطرة على الشعب بحيث لا يمكن أن يفكر في تغيير نظام الحكم وهو في مثل هذه الاوضاع حيث يكون رهينة لوضعه المأساوي، كما كان يعمل على إثارة الفتنة الداخلية بين المكونات العرقية للمجتمعات بهدف إضعافها، وقد قام بالترحيل القسري لنحو مليون ونصف المليون سوفياتي إلى منطقة آسيا الوسطي وسيبيريا، من بينهم نحو ثلاثمائة ألف من المسلمين من شبه جزيرة القرم بتهمة معاداة المبادئ الشيوعية، غير أن السبب الحقيقي للترحيل الجماعي كان من أجل خلق توازن عرقي ليتسنى لإستالين الاستمرارية في الحكم، وكلها ممارسات يندى لها الجبين ولا يمكن لشخص صاحب خلق أن يفكر فيها ناهيك أن يكون رئيس دولة ليمارسها ضد شعبه.
إن نظام أفورقي سخر كل إمكانياته لممارسة هذه السياسات على الشعب الارتري خلال العقدين الماضيين، ولا يمكننا أن نجد تفسيرا آخر لمنع عودة نحو نص مليون لاجئ إرتري من السودان إلى وطنهم في مطلع التسعينات، والإصرار على الاستمرار في سياساته الحالية التي نتج عنها هروب نحو نصف مليون آخر أغلبهم من الشباب إلا في إطار البحث لخلق توازن عرقي في إرتريا ليتسنى له تمكين شخصه ومجموعته من حكم البلاد .
وإذا كنا نتحدث اليوم في إرتريا عن خدمة عسكرية في ظروف مزرية تمارس فيها الانتهاكات بأبشع طرقها ضد الشباب من الذكور والإناث، ففي مطلع القرن الماضي سبق وأن أنشأ ستالين معسكرات العمل الإجباري وكان يتعرض العاملون فيها للنقد والتعنيف العلني والتعرض للإجراءات التأديبية فضلا عن استعمال أدوات الترهيب والتعذيب الفيزيائي، وأن كل من لا يوافق على سياسة إستالين كان يطلق عليهم أعداء الشعب وعملاء للقوى الرجعية، ونتيجة للممارسات الوحشية في تلك المعسكرات قتل عشرات الآلاف من الأبرياء والشرفاء. والأفراد الذين لا يدخلون في مزاج إستالين كان يقبض عليهم على الرغم من مكانتهم الاجتماعية والحزبية، مما جعل الجميع يعيشون في حالة من الخوف والرعب، كما أن الجميع كان يترقب الوقت الذي سيطرق فيه باب بيته في وسط اليل لاعتقاله ومن ثم اقتياده إلى مكان مجهول حيث توجد السجون السرية التي كانت تمارس فيها كل أنواع القمع والتنكيل كما هو حال المعتقلين الابرياء في إرتريا، فرض إستالين على الشعب ما سمي حينها ببرنامج الزراعة التعاونية وكان يقوم على مصادرة الحقول من أصحابها عنوة وزراعتها ومن ثم يعطي أصحابها مردود يساوي مقدار جهدهم المبذول، أما الإقطاعيين فكان يفرض عليهم بيع منتجهم الزراعي على الحكومة بسعر تحدده هي مسبقا، وقد لقي مشروعه الزراعي معارضة شديدة وصلت إلى حد المواجهات بين المزارعين وبوليسه الذي كان يفرض القانون بالقوة، وقد تسببت تلك السياسات إلى مجاعة خطيرة ألمت بالاتحاد السوفيتي بين عامي 1932/1933م وأدت الي وفاة نحو 5 مليون مواطن روسي، ووصل الأمر بالناس إلى أكل لحم الإنسان حيث كان يسرق بعضهم أطفال بعض، وقد حدث ذلك في الوقت الذي كان يصدر فيه الاتحاد السوفييتي الأطنان من الحبوب لشتي مناطق العالم.
- القضاء علي المؤسسية وتصفية المنافسين:
لم يباغت أفورقي الشعب الإرتري بدكتاتوريته فقط بل إن تنظيم الجبهة الشعبية نفسه لم يتوقع إن أفورقي سيصل به الأمر إلى هذا المستوي من الاستكبار والطغيان، ولكن المتأمل لتجربة الرجل الذي حاول أن يظهر نفسه متواضعا يوما ما سيجد أنه ظل يهيئ المسرح لهذه
المرحلة منذ تأسيس الجبهة الشعبية، بل إن عمليات التصفيات الجسدية التي تمت قبل وبعد الاستقلال ما قام بها الرجل إلا في سبيل تحقيق مشروعه الشخصي المتمثل في النهج الإستاليني القائم في إرتريا، وذلك بعد القضاء على كل مؤسسات الحزب والدولة التي بدأت تتشكل في مطلع التسعينات، من برلمان، ومسودة للدستور الإرتري، وقانونان لتأسيس الأحزاب والانتخابات وغيرها، كما تمكن أفورقي من إزاحة الجيل الأول من قيادات تنظيمه الذين كان لهم الفضل في وصوله إلى سدة الحكم، ونجح في صناعة جيل جديد من القيادات ربط مستقبلهم بحكمه وذلك بتوريطهم في ممارسات قذرة ضد الوطن والشعب، ولذلك يميل الكثير منهم للانزواء في حلة انشقاقهم مخافة فضح سلوكهم من قبل اسياس الذي يمسك بملفاتهم .
عندما نطالع تجربة حكم إستالين سنجد كم أن إستالين كان ملهما حقا لأفورقي في ممارساته، فبعد وصوله إلى سدة الحكم في الاتحاد السوفييتي عام 1924 بعد ترشيح اللجنة المركزية للحزب الشيوعي له للمنصب كانت أول مهمة قام بها هي، التخلص من جميع القيادات الأساسية في الحزب، لأنه كان يعتقد أن التمتع بمطلق الحكم غير ممكن مع وجودهم معه في قمة الحكم، ويقال إنه وتحت مختلف الذرائع تمكن من تصفية وعزل واعتقال كل أعضاء اللجنة المركزية إلا شخصا واحدا بقي معه في الحكم لأنه كان مخبرا له في منصب وزير الخارجية، وقام باستبدالهم بشخصيات مواليه له، وقد سهل له ذلك مهمة القضاء على مؤسسات الحزب والدولة في آن واحد، وقد عرف عن الرجل تصفية منافسيه في مصادفات غريبة وتقدم الصفوف في تشييع جثمانهم، وعلى غرار المجموعة الإصلاحية في إرتريا يقال أنه في عام 1932م قام بعض أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بتوجيه انتقاد علني لإستالين وطالبو بإعادة الاعتبار لمبادئ الثورة، إلا أنه رفض طرح المذكرة في المكتب السياسي واتهم القادة الذين أعدوا المذكرة بمعاداة الوطن والخيانة العظمي وأصدر أوامره لجهاز أمنه الخاص باعتقالهم وتنفيذ حكم الإعدام ضدهم سرا حيث تم حينها تصفية 17 من أكبر قيادات الحزب في تلك المرحلة.
وكما هو حال أفورقي مع القيادة العسكرية فإن إستالين كان دائما يعيش في حالة من الخوف من قيادة الجيش الأحمر كي لا يدبروا انقلابا عسكريا ضد حكمه، أو يتعاونوا مع قوي خارجية من الدول الرأسمالية والنازيين للقضاء على حكمه، وبسبب حالة الغيرة التي كان يعيشها، كان لا يوافق في الترقيات العسكرية للقيادات بهدف تحجيم دورهم، وهي نفس السياسة التي يتعامل بها أفورقي مع ملف الترقيات للجيش حيث تتم بشكل سري على أسس طائفية، وإذا كنا نجهل كم عدد القيادات العسكرية من الشرفاء الذين تمت تصفيتهم في ارتريا منذ تأسيس الجبهة الشعبية تحت مختلف الذرائع، فبالنسبة لاستالين فإن التقارير اوردت أن عدد الذين تم إعدامهم في فترة حكمه من العسكريين وصل إلى 30.000 ألف عسكري وهو الأمر الذي يستند اليه منتقدو إستالين في تحميله مسؤولية هزيمة الجيش الأحمر أمام النازيين في بدايات الحرب العالمية الثانية. ومن الممارسات التي كان يتبعها إستالين من أجل إرهاق الجيش، التحرش بدول الجوار ودعم الحركات المتمردة في الدول الأخرى، وإرسال الشباب إلى معسكرات الخدمة الإجبارية.
يعتبر إستالين العقل المؤسس لجهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي) وكان يخضع تحت إمرته العديد من التشكيلات الأمنية المختلفة من بينها فرق التصفيات الجسدية، وكان يدير هذه التشكيلات بنفسه بطريقة معقدة للغاية، ولم يسلم من بطشه حتي قيادات الأجهزة الأمنية التي كانت مقربة منه حيث كان يقوم بإعدام من كانوا يقومون بمهام سرية للغاية وذلك تشككا منه كي لا يقوموا بعمل شبكات تواصل مع الاعداء و تسريب أسراره وخطط عمله، وعلى هذه القاعدة اليوم يدير أفورقي جهاز الأمن الخاص الذي يخضع لسيطرته وهو الجهاز المتهم بارتكاب جرائم التصفية الجسدية التي حدثت ومازالت تتكرر بشكل ملفت في ارتريا، والذي قرأ نص المقابلة التي أجرها عضو جهاز الامن الارتري السابق سعيد صالح مع إذاعة “اسنا” ونشر موقع النهضة ترجمتها بتاريخ 17/3/2013م سيخلص إلى نتيجة مفادها إن أفورقي بنى جهاز أمنه على تلك المبادئ والأسس التي بنى عليها إستالين أجهزته الأمنية وهذا ما يعكس المستوي العالي من التشابه في الممارسات بين الدكتاتورين مع الفارق الزمني الشاسع بينهما.
بالنسبة لضحايا جرائم إستالين فبالرغم من اتفاق الجميع بأنه من أكثر الطغاة إجراما على مر التأريخ فإن المعلومات المتوفرة حولها مازالت متباينة، ويري بعض المؤرخين أن ضحايا الإعدامات التي كان يمارسها إستالين قد تصل إلى 50 مليونا آخذين في الاعتبار الفارق الزمني ما بين حقبة حكم أفورقي و إستالين واختلاف عدد السكان بين الدولتين، والتطورات العلمية والانسانية التي حدثت في العالم خلال عشرات العقود الماضية فضلا عن الاهتمام العالمي الكبير بحقوق الإنسان، كل ذلك لم يمنع من حدوث انتهاكات صارخة لحقوق الانسان في ارتريا تشابه تلك التي حدثت في تلك الحقبة السوداء من التأريخ، وحسب إحصائيات المنظمات الدولية فإن عدد المعتقلين في ارتريا يقترب من 15 ألف معتقل من مختلف مكونات المجتمع الارتري من الذكور والإناث والاطفال ولا أحد يعرف عن اوضاعهم، ومنذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم يسمع الشعب الارتري بإطلاق سراح معتقلين بقدر ما سمع مزيدا من الاعتقالات والممارسات القهرية. وهي نفس الحالة الكئيبة التي أكمل بها إستالين حياته حيث لم يعف ولم يطلق سراح معتقلين في حياته.
- نهاية حكم إستالين:
عندما وصل إستالين مرحلة السبعينات بدأت صحته تتراجع، وكان أكبر مشكلة يعاني منها ارتفاع في ضغط الدم، ويقال أنه ذات يوم من شهر مارس 1953م تدهورت صحته بشكل مفاجئ أثناء حضوره دعوة عشاء مع قيادة حزبه، وأثناء مرضه وصلته رسالة من المقربين منه بأن مجموعة من سبعة أعضاء من بينهم طبيبه الخاص ومساعديه مشتركين في مؤامرة لقتله عبر تسميم طعامه، مما جعله يصدر أوامره لرئيس أمنه الخاص بالبدء في عملية تطهير جديدة بين أعضاء المكتب السياسي ومساعديه، إلا إنه ولحسن حظهم وقبل البدء في عملية تنفيذ الإعدامات ضدهم ازدادت صحة إستالين سوءا حتى وصل إلى حالة إغماء، وطلب أن يكون معزولا في غرفة خاصة به وقد مات وهو في هذه الحالة، ويقال أن آخر ما نطق به قوله لتحل اللعنة عليهم جميعا وأشار إلى قيادة حزبه الذين كانوا يحيطون به، وبعد ذلك توقفت انفاس إستالين، وبعد وفاته مباشرة كان أول قرار اتخذه الحزب الشيوعي إطلاق سراح مئات الآلاف من المعتقلين من السجناء، كما أعلن سكرتير الحزب أن إستالين هو المسؤول عن سياسة التطهير التي حدثت بالبلاد في فترة حكمه، كما أعلن الحزب إدانته وتبرؤه من ما أسمها السياسة الإستالينية. وهكذا انتهت حقبة إستالين وبقيت جرائمه علامة سوداء في التأريخ لتكون عبرة لمن يعتبر، يا تري كيف ستكون نهاية أفورقي مع علمنا أن نهاية الحاكم الظالم غالبا ما تكون مأساوية حيث يسقي في نهاية المطاف من نفس الكأس الذي أذاق منه الشعوب عذاب الدنيا، وما الجزاء إلا من جنس العمل.