دأب مركز دراسات القرن الأفريقي علي رصد التجربة الديمقراطية في كينيا وقد سبق أن قام المركز برصد الانتخابات الرئاسية 2007م، ويعتبر رصدنا للانتخابات الرئاسة التي جرت في شهر مارس من هذ العام هو استمرار لهذا الرصد . غير اننا أيضا نود أن ننبه الي أن حالة ارتريا تعتبر هي الشاذة في منطقة القرن الإفريقي، حيث شهد الإقليم حراكا ديمقراطي وانتخابات رئاسية وبرلمانية في كل من اثيوبيا، والصومال، جيبوتي، وأخيرا كينيا، كما توجد في هذه الدول أحزاب معارضة تنافس علي مقعد الرئاسة وكذلك مقاعد البرلمان، ومن المفارقات أن الإعلام الرسمي للدولة الإرترية كان دوما يبرز الجاب السلبي للتجربة الديمقراطية في أثيوبيا وكينيا وكذلك نيجيريا، غير أن هذه الدول تتنافس فيها الأحزاب في اطار اللعبة الديمقراطية دون أي مساس بالثوابت الوطنية ووحدة التراب الوطني.

  • مدخل: 

    يعتبر ساحل شرق أفريقيا الأقدم اتصالا بجنوب شبه الجزيرة العربية وغرب شبه القارة الهندية ولذا يعتبر كثير من علماء الأجناس ان أصول سكان هذا الساحل تعود الي الجنس الحامي . يعتبر الحاضارمة أقدم من استوطن ساحل كينيا وأسسوا حواضر وممالك فيه وعندما جاءت الإرساليات التبشيرية مع الاستعمار الحديث وجدت الديانة الإسلامية والثقافة العربية أكثر رسوخا في الساحل الشرقي وحول شواطئ البحيرات والتي كانت علي اتصال بالنفوذ العماني في زنجبار التي أصبحت مقرا للدولة العمانية بعد تغلبهم علي البرتغاليين في ديسمبر 1696م في ممباسا. أضحت كينيا بنهاية القرن التاسع عشر خاضعة لنفوذ بريطانيا وأصبحت تدار بواسطة شركة شرق أفريقيا الاستعمارية.

  • نشأة الأحزاب السياسية في كينيا:

     تعتبر الجمعية المركزية للكيكويو أول تنظيم مطلبي يتأسس في كينيا وقد تأسست في عام 1922م واختير جومو كنياتا سكرتيرا عاما لها، في أواخر العشرينيات من القرن الماضي تأسس اتحاد شباب الكيكويو، في اواخر الثلاثينات من ذات القرن تأسس الاتحاد الإفريقي لكينيا كأول تجمع سياسي مناهض للاستعمار وكانت قبيلة الكيكويو علي راسه وعرف فيما بعد بحزب كانو فانشات السلطات الاستعمارية حزبا منافسا له عرف بالاتحاد الإفريقي الديمقراطي وعرف اختصارا بكادوا.

    في عام 1959م قررت بريطانيا اجراء المشاورات الدستورية بشان كينيا فتأسس أول حزب رسمي اطلق عليه جماعة كينيا المعتدلة بزعامة مشيل بلندال. نالت كينيا استقلالها في عام 1963م باعتبارها دولة خاضعة للتاج البريطاني.

  • السكان واللغة:

    يبلغ عدد سكانها 41,61 مليون نسمة وتعتبر اللغة السواحلية هي الرسمية والمشتركة ونسبة 50% من مفردات هذه اللغة جذورها عربية.

  • التطور الدستوري في كينيا:

   في عام 1963م تم صياغة اول دستور للبلاد ونص بأن كينيا ملكية دستورية في اشارة الي ارتباط كينيا بالتاج البريطاني غير ان جومو كنياتا وحزب كانو أعلن ان كينيا جمهورية وأن حزب كانو هو الحزب الرسمي وقمع كل الخصوم السياسيين المنافسين له مثل جنجا اودينجا زعيم فورد كينيا.

     استمر حزب كانو يحكم حتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي حتي أجري الرئيس الكيني دانيال أراب موي تعديلات جوهرية في الدستور في عام 1991م والذي أدي الي تحول كينيا من هيمنة الحزب الواحد الي التعددية السياسية، وبموجب هذا التطور شهدت كينيا في عام 1992م أول انتخابات تعددية تنافست فيها مجموعة من الأحزاب. في هذه الانتخابات كانت السيطرة لحزب كانو وفاز أراب موي بالرئاسة، ومن اهم نتائجها بروز دور المسلمين ككتلة تصويتية بسبب العلاقة الجيدة بينهم والسلطة عقب افشال المحاولة الانقلابية التي تصدي لها أحد جنرالات الجيش من أبناء المسلمين، وكان قد اتهم فيها أفراد من قبيلة الكيكويو التي كانت تصطف خلف حزب كانو بزعامة كنياتا ولم تكن راضية بقيادة موي للحزب وهو ينحدر من قبيلة كالنجين فأسسوا مجموعة من الأحزاب بلغت 6 أحزاب، كما اتجهت كل من قبيلتي ليو ولوهيا الي انشاء احزاب خاصة بهما فتقاسمتا حزب فورد كينيا بينهما ليتوزع إلى أربعة احزاب.

  • انتخابات 2002م:

     قبل حلول انتخابات عام 2002م وهي الثالثة في كينيا عملت المعارضة علي لملمة شتاتها الذي استفاد منه حزب كانو فأسست – أي المعارضة – تحالف قوس قزح والذي ضم حزب فورد كينيا والحزب الليبرالي- والحزب الديمقراطي-  والحزب الوطني وتزعمه مواي كيباكي – وبذلك أصبحت المعارضة أكثر تماسكا في وجه حزب كانو العتيد ووقفت بقوة ضد ترشيح موي لدوره ثالثة فاختار حزب كانو اوهورو كنياتا، غير أن تحالف قوس قزح استطاع أن ينتزع مقعد الرئاسة من حزب كانو الذي تمسك به لما يقارب من أربعة عقود كما تمكن من شغل أغلب مقاعد البرلمان .

 ومن أبرز مظاهر هذه الانتخابات تشتت القوة التصويتية لمسلمي كينيا ككتلة مرجحة كما كانت.

  • انتخابات 2007م:

     سبقت هذا الانتخابات بعض التطورات والتي كان لها دور كبير في الأحداث التي شهدتها منها ان كيباكي لم يلتزم بالبرامج التي بموجبها تشكل تحالف قوس قزح مثل:

  1.   اجراء تعديلات في الدستور.
  2. استحداث منصب رئيس الوزراء.

     ونتيجة لذلك رفضت أحزاب المعارضة الدستور الذي أقترحه كيباكي وحملت الجمهور الكيني علي التصويت ضد الدستور في الاستفتاء عليه في عام 2005م،  عمل اودينجا علي جمع شتات المعارضة فأسس التحالف البرتغالي غير أن كيباكي فاز بالمقعد الرئاسي للمرة الثانية، وقد شهدت كينيا عقب اعلان النتيجة احداث عنف دامية .

  • انتخابات 2013م:

     هذه الانتخابات هي الخامسة في تأريخ كينيا في ظل التحول الديمقراطي والتعددية السياسية وقد سبقها اجراء تعديلات جوهرية في الدستور الكيني في عام 2010م، تعتبر هذه التعديلات استجابة عملية لمطالب القوي السياسية في كينيا والتي كانت تسعي دوما لتقليص سلطات رئيس الجمهورية والحد من تغول القبائل المتنفذة، ومعالجة موضوع اعادة تقسيم الأراضي، والفصل بين السلطات الثلاثة، السلطة القضائية، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، كما نص الدستور علي اجراء خمسة انتخابات في وقت واحد فيحق للناخب الكيني أن يدلي بصوت في اختيار رئيس الدولة وممثل الدائرة في البرلمان الاتحادي، وصوت ثاني يمنحه لمن يمثله في مجلس الشيوخ والبالغ عدد مقاعده 47 مقعدا بواقع ممثل واحد لكل مقاطعة، وصوت ثالث يختار بموجبه حاكم لمقاطعته 47 مرشحا، ومثلة المرأة في مجلس مقاطعته 47 مرشحة، والصوت الأخير يمنحه لمن يمثله في البرلمان الإقليمي. يبلغ عدد مقاعد البرلمان 290 مقعدا بينما يبلغ عدد المقاعد في البرلمانات الإقليمية 1450 مقعدا، 47 مقعدا في مجلس الشيوخ ومثلها ممثلات المرأة في المقاطعات، 47 مرشحا لمنصب حكام المقاطعات، بالإضافة إلى منصب الرئيس وجملة المناصب الدستورية التي تم اختيارها هي 1882 مرشحا.

كذلك أقر الدستور الجديد زيادة نسبة مشاركة المرأة في البرلمان عن 10%.

كذلك من التعديلات المهمة في الدستور اعادة توزيع الاراضي وهذه القضية تعد  من القضايا الحساسة في الصراع السياسي في كينيا وتستهدف بالدرجة الأساسية قبيلة الكيكويو والرأسمالية التي كانت متحالفة مع نظام الحزب الواحد طوال حكم كنياتا و موي.

كذلك من التعديلات الدستورية:

  • منح مزيد من السلطات للجنة الانتخابات والتأكيد علي استقلاليتها.
  • استقلال القضاء واجهزة الشرطة.
  • اشتراط حصول الفائز الأول علي 50+1 وربع الأصوات في السبعة والأربعين محافظة.
  • بموجب هذا الدستور تم تسمية لجنة الانتخابات برئاسة جيمس اوسواغو.
  • بحلول يوم 4 من شهر مارس 2013م كانت كينيا علي موعد مع لحظة تاريخية فاصلة وقد كان الإقبال كبيرا تنافس فيها ثمانية مرشحين يقف خلف كل مرشح ائتلاف حزبي مسنود من قوي قبلية واقتصادية تسعي لتأمين مصالحها ومن هذه الائتلافات:
  1. ائتلاف اليوبيل الانتخابي، وتسنده قبائل الكيكويو، وكالنجين ويضم حزب التحالف الوطني، والحزب الجمهوري المتحد ومرشحه أهورو مويغاي كنياتا وقد فاز كنياتا بمقعد الرئاسة، وتم اختيار وليم روتو نائبا للرئيس.
  2. الائتلاف من أجل الإصلاح والديمقراطية بزعامة اودينجا وتسنده قبائل لوي ولوهيا وكامبا.
  • التحالف من اجل تغيير فعلي ومعظم مؤيديه من فئة الشباب ومرشحه كل من:
  • محمد عبدوبا ديدا رجل أعمال من أصول صومالية.
  • جشوا اودينقو او نونو.
  • ائتلاف قوس قزح الوطني ومرشحه كل من :
  • مارتا ونغاري كاروا .
  • اوغستين لوتودو.
  • حزب المؤتمر الوطني – و الحزب الجمهوري المتحد- ومرشحه كل من :
  • بيتر كينيث.
  • ورونالدو أوتومبا .
  • المنتدي الديمقراطي المتحد ومرشحه وكلف موساليا مودافادي.
  • الحركة البرتغالية الديمقراطية ومرشحها رائيلا اومولو أوجنجا اودينجا.
  • البرامج التي طرحها المرشحون:
  • معالجة قضايا الفقر.
  • بسط التعليم.
  • تامين الرعاية الصحية.  
  • تخصيص ميزانية مقدره للنهوض بالزراعة.
  • الحد من ارتفاع معدل وفيات الأمهات.
  • معالجة قضية البطالة بتوفير فرص عمل جديدة.
  • خفض الإنفاق الحكومي الكبير.
  • قضية توزيع الأراضي وهي من القضايا التي ورثتها كينيا من حقبة الاستعمار ولم تعالجها السلطة التنفيذية في ظل الدولة الوطنية.
  • عدم التوازن في التنمية الاقتصادية.
  • تبعات فوز مرشح مطلوب لدي محكمة الجنايات:

      يعتبر اوهورو كنياتا الفائز في الانتخابات الأخير مدانا ومطلوبا لدي محكمة  الجنايات الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في الأحداث الدامية التي شهدتها كينيا عقب فوز كيباكي في انتخابات 2007م ولذلك لم تخف كثير من الدول الغربية  رغبتها في فوز اودينجا وذلك حتي لا يحسب عليها تعاملها مع رئيس مطلوب لدي محكمة الجنايات الدولية لذا كانت هذه الدول حريصة في تصريحاتها التلميح بأنها سوف لن تتعامل مع كنياتا في حال فوزه، كما صرحت بذلك فرنسا وذهبت في ذات المنحى بريطانيا، كما صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤن الأفريقية أن فوز كنياتا له بعد قانوني وتبعات سياسية في اشارة الي وضعه امام محكمة الجنايات.

    مما لا شك فيه ان فوز كنياتا سيكون له تبعات علي الاقتصاد الكيني الذي يعاني في الاساس من تبعات الركود الاقتصادي الذي يمر به الاقتصاد الدولي، وكينيا تتحصل علي نسبة 5%من ميزانيتها من الدول الغربية المانحة وعدم رغبة هذه الدول في التعامل مع الرئيس المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة قد يصيب الاقتصاد الكيني بحاله من الركود الاقتصادي مما قد يدفع بالقيادة الجديد الي التوجه نحو الصين والحاضرة بقوة في الاقتصاد التنزاني ومن حقبة نيريري، وهذا مالا ترغب فيه الدول الغربية في ان تري الصين وقد ابتلعت الاقتصاد الكيني والذي يتمتع بموارد زراعية لا باس بها ومهمة للسوق الغربية التي تحتكر المنتجات الزراعية الكينية في السوق العالمية خاصة سلعتي البن والشاي، كما تنظر الدول الغربية الي كينيا باعتبارها اهم القلاع الموالية للغرب في منطقة شرق أفريقيا والتي تعاني من عدم الاستقرار في كل من الصومال ومنطقة البحيرات ولذلك فالدول الغربية سوف لن تخلي مكانها في كينيا للصين والتي قد تكون مسرورة اذا وجدت هذه السانحة، وتعتبرها فرصة تاريخية لن تفرط في اهتبالها، كما تزيد من تواجدها في كل من أوغندا ودولة جنوب السودان لا سيما سيمكنها هذا التواجد من حل مشكلة نقل نفط جنوب السودان والذي سيختصر مسافة النقل الي اكثر من النصف اذا تم ربطه بموانئ شرق أفريقيا

     فوز أهورو كنياتا وأدائه للقسم يوم 9/من ابريل كرابع رئيس لكينيا وتسمية نائبه وهو الآخر أيضا مطلوب لدي المحكمة الدولية في ذات التهم سيضع الدول الغربية امام محك اخلاقي يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لذا قد تلجأ هذه الدول إلى خفض علاقاتها السياسية مع الرئيس الجديد لكنها لن تفرط في مصالحها الاستراتيجية في كينيا، ولذلك قد لا تتجاوب مع تحريك ملف محكمة الجنايات بل قد تضغط باتجاه تأجيله حتي تنتهي ولاية كنياتا وقد تسعي خلال فترة ولايته لدعم المعارضة حتي تتمكن من عدم إعادة انتخابه لولاية ثانية.

  • ملاحظات حول العملية الانتخابية:
  • تم تشغيل النظام الإلكتروني لأول مرة في كينيا.
  • احترام قرار المحكمة من المرشح الخاسر جنب كينيا الانزلاق نحو دوامة العنف خاصة عندما قال 🙁 ثقته بالدستور تعلو فوق كل ثقة) وكانت بمثابة رسالة إلي مؤيديه بالتزام الهدوء.
  • دور الإعلام الكيني طوال فترة الانتخابات كان ايجابيا وبناء وقد ساهم في الحفاظ علي السلم الأهلي.
  • تميزت الانتخابات بكثافة الإقبال.
  • مازال العامل القبلي يلعب دورا مؤثر في العملية السياسية في كينيا ففوز كنياتا يعود إلى انحداره من أكبر القبائل الكينية.
  • تنافس كنياتا و اودينجا هو تنافس قديم ومتجدد.
  • كان اهتمام اوباما بالانتخابات الكينية واضحا.

التعليقات معطلة.