29 مايو 2013م 

الباحث/ عبدالله اسماعيل

ما فتئ النظام الطائفي المقيت في كل عام يعيد إلى مسامع الشعب الإرتري الصامد اسطوانته الممجوجة بأن هذا الاستقلال تحقق بفضل صموده وجدارته، وغاب عنه أن يعرف أن شعبنا العظيم تطلع إلى فجر الحرية من منتصف الأربعينيات من القرن الماضي عندما أصطف خلف الرابطة الإسلامية ثم الكتلة الاستقلالية ثم حركة التحرير فجبهة التحرير من أجل تحقيق هذا المشروع الوطني الكبير من قبل أن يطل علينا هذا المولود الشائه المنبوذ. 

وقف الشعب الإرتري بكل مكوناته مع مشروع الاستقلال الذي طرحته الرابطة الإسلامية وجاهد معها لتحقيق هذا الهدف، كما وقف مع هذا المشروع الوطنيون من المسيحيين، وكان ثمن هذا الجهاد النضال من أجل تقرير المصير، والذي نتج عنه تحقيق الاتحاد الفدرالي الذي كان أدني مطالب الوطنيين في وجه مشروع الانضمام الذي تبناه عملاء أثيوبيا. 

اعتقد عملاء أثيوبيا من دعاة الانضمام أن بمقدورهم سلب شعبنا حريته، فلم يتوانوا ولو للحظة عن التآمر والدس والكيد في أن يمرروا مشروعهم الطائفي وينضموا إلى أمهم الرؤوم اثيوبيا، غير أن شعبنا كان عند حسن الظن به وأعلن ثورته المسلحة في اليوم والشهر والعام الذي يعرفه كل وطني غيور. 

لم يكن ميلاد الثورة والنضال في صفوفها نزهة سياسية، ولا عملا حزبيا يمارسه الهواة، بل كان مشروعا وطنيا نذر الشعب الإرتري لأجله كل غال ونفيس، لم تكن الثورة مشروع فئة بعينها ولا طائفة دون أخرى ولا إقليميا دون غيره، بل كان مشروعا وطنيا لقي التأييد والتعضيد والتضحية من كل فئات الشعب الإرتري من غرب إرتريا إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها وبدأ الوطنيون يزحفون نحو الثورة من كل حدب وصوب . 

بدأت الثورة تقف على رجليها بقيادة الشهيد حامد ادريس عواتي ومعه ثلة من الأبطال معلنين أنه لن يضيع حق وراءه مطالب، وأن قلة عددهم وخفة تسليحهم وضآلة مؤونتهم لن يكون مبررا للتقاعس عن المطالبة بهذا الحق،كما كانوا يدر كون أن سندهم ومصدر قوتهم هو هذا الشعب العظيم الذي يقف من خلفهم. 

في المقابل أعمت الفئة العميلة قوة العدو وتآمر المجتمع الدولي عن ادراك قوة وعزيمة هذا الشعب الجسور الذي لن يفرط في حريته واستقلالهفصدرت في غيها وبطشها من أجل أن تسلب هذا الشعب الأبي حقه في الحرية والانعتاق. 

عند قيام وتأسيس الثورة الإرترية ظنت اثيوبيا وبوحي من عملائها أن بمقدورها القضاء عليها، غير أنها أدركت أن من خلفها شعب عنيد فعمدت إلى ارهابه بنصب المشانق للشرفاء، وامتلأت السجون و المعتقلات والزنازين من الوطنيين من دعاة الاستقلال.وبهذه المناسبة أترحم إلى روح السيد ادم ملكين الذي كان في مقدمة وطلائع سجناء الضمير في مطلع الستينيات من القرن الماضي عندما سجن وعذب لأنه وقف إلى جانب حق شعبه، ولم يدخر جهدا في رفد ثورته بالسلاح مع قلة شأنه ـ أي السلاح، وكان قد تولى التنكيل به عملاء الاستعمار وأعوانه وزبانيته، وأذاقوه كل صنوف التعذيب، ومع ذلك لم ينالوا من عزيمته ولم يكن بمقدورهم أن يفتوا من عضده وظل صامدا شامخا دون أن تعتريه لحظة خور توحي لهذه الشرذمة ببصيص من النصر.

نصبت أثيوبيا المشانق من أجل أن ترهب شعبنا خاصة من لفقت ضدهم عملية أغردات الفدائية وهي أول عملية فدائية تنفذها ثورة الشعب الإرتري ضد المحتل الأثيوبي فكان موقف الشهيد حسنوا مشرفا حين دفع به إلى المشنقة فطلب من سجانيه أن يصلي ركعتين ثم توجه بكلمته إلى شعبه مسلميه ومسيحييه مطالبا إياهم أن يقفوا إلى جانب ثورتهم وأن يقاوموا المحتل، ثم توجه بكلمته إلى أسرته الصغيرة مطالبا إياها بالصبر وبالثبات يندران يوجد مثله،وقسم ميراثه بين والديه وزوجته وفقراء مدينة أغردات،ثم هتف فليسقط الاستعمار وأعوانه ثم نطق بالشهادتين ووضع حبل المشنقة بيديه في عنقه . هذا الموقف أجمع على سرده كثيرين ممن حضروا هذا المشهد المهيب، وذكروا أنه كان بمثابة طاقة جبارة سرت في اوصال الشعب .

وذات المشهد تكرر في تسني وكرن وعدي قيح وقندع ومصوع ومع ذلك النتيجة كانت واحدة وهي الإصرار على المقاومة وهزيمة المستعمر مهما غلت التضحيات. 

أيضا قامت أثيوبيا بنشر أعداد كبيرة من البوليس السري في جميع المدن الإرترية و الذي دربه الإسرائيليون، واستجلب كل أدوات ووسائل وفنون التعذيب التي برع فيها الجستابو النازي، وصور لها اعوانها وأزلامها أن بمقدورها أن ترهب الشعب الإرتري بالسجون و التعذيب ومن ثم يحيد عن مشروعة الوطني فانخرطوا في صفوفه لتعذيب المناضلين و المناصرين وامتلأت سجون سمبل وعد خالا بالمواطنين كما هو حالها اليوم،ومع ذلك كان الجميع يرنوا نحو الاستقلال ولم تستطع دوامة التعذيب والتنكيل أن تصرف الشعب الإرتري عن هدفه ومشروعه الوطني مع أنه لم يكن يخلوا بيت في طول البلاد وعرضها من وجود أحد أفرادهفي معتقلات المستعمر الذي عهد إلى عملائه ليتولوا مهام التعذيب فيها. 

هنا أيضا أدركت أثيوبيا عجز بوليسها السري (c.i.d) و أنه عاجز عن إخماد شعلة الثورة، فعمدت إلى تأسيس قوات الكوماندوس (مليشيات حزب الأندنت) واصطفت لها غلاة العنصريين من عملائها في ارتريا وعهدت إلىالإسرائيليين بتدريبها وتسليحها والتخطيط لها، وبعد الاطمئنان على أهليتها أطلقت يديها في المجتمع الإرتري تفعل فيه ما تشاء،فتولت إحراق القرى بدءا من باب جنقرين، وعد ابراهيم، وألقدين، وشعب، ووقيرو، وغيرها وقد بلغت جملة القري التي احرقتها قوات الكوماندوسخلال علمي 67 ـ 68 315 قريةوهي القرى التي أوردتها أدبيات الثورة الإرترية وسوف نذكر القرى الكبيرة في كل منطقة من أجل التذكير فقط. 

ففي يوم 11 فبراير 1967م أحرقت 62 قرية في كل من منطقة مقراييب و جميل والقاش خاصة عد ابرهيم، وقرست، (منطقة الشهيد حامد ادريس عواتي) و أديبرا، وعد حباب، وقتل كل من تمكن العدو منه بالذبح من الوريد إلى الوريد،أوتقييده وإضرام النار عليه خاصة النساء والأطفال، أو رميه بالرصاص كل من حاول الفرار، كما تم إحراق كل المحاصيل وقتل أكثر من ستين ألف رأس من الماشية مما دفع بأكثر من 40 ألف لاجئ إلىالفرار إلى السودان لتبدأ قصة اللجوء التي لم تنتهى فصولها حتي الآن.بعد هذه الحرائق كانت مجزرة سجن تسني صبيحة 12/2/1967م حيث تم ذبح 21 معتقلا. 

بتأريخ 11/7/1967م أحرقت قرى عايلت، قمهوت،شعب، وقيرو، وقد اضطرت أكثر من ألفي أسرة إلى النزوح من قراها إلى الجبال كما أبيد أكثر من 6000 رأس من الإبل وتقييد ثلاثين شابا وإحراقهم. 

ومن تأريخ 11 وحتي 18 مايو 1967م تم احراق قرىألقدين،وأوحي، وبيت هاما، وتمرات، و أديبرا، و قرسب، أي جميع القري التي تقع إلى الغرب والجنوب في منطقة ساوا ودفع بالناجين للفرار نحو الحدود السودانية وقد سجلها الصحفي الإيطالي فرانكو براتيكو الذي شهد الأحداث لحظة ارتكاب الجريمة. 

في نوفمبر 1967م احرقت 167 قرية في عموم المديرية التي كان يطلق عليها في ذلك الوقت مديرية كرن وقد حشدت أثيوبيا لهذه المهمة فرقة كاملة تتألف 7000 جندي وبمشاركة الطائرات وتسميم الآبار و منابع المياه والبرك عن طريق والمأجورين و العملاء، كما تم احراق جميع المزارع وكان الوقت وقت حصاد فأحرقت قرى عد نصور، هبرو، حملمالو،وازنتت، قلجبا، أجربب،ملبسو، رهي، شفرت إياي، عندلت، أسماط والتي ذبح فيها ثلاثون رجلا في زفاف، إن ركوبت، شقالي، أروتا، حمرت قوليا، فوا، كوسك،حنتا تري، يكارع أفحروم، متكل أبي، ماي أوالد، أرئس، باب جنقرين، طروم، أشديرا،باشري، قروت نجار، حبوب، إنكما، سروا، دباغ،ماشوا، ششو، أونجلي، انطيناق، حشيشاي. كم أحرقت في ذات التاريخ قرى كثيرة في بركا لعال منها كجل، عوبلت، بيت بجل،عد قناد(مجموعة قرى)، عد فاكاي،مجاوراي، حشيك، حشلا، حفونت،دقا، عد زمات، عد فضل، عد كوكوي، عد عمر، أقدوب، دقي، دلك، وهذا نموذج للمناطق وليس كل القرى كما حاولنا جمع قرى كل منطقة على حدىلأنها ذكرت في المصادر مبعثرة فمثلا قرى باب جنقرين وبيت جود ذكرناها على حدى وقرى حلحل على حدى،وقرى بركا لعال مجتمعة، وهكذا وقرى مناطق ماريا قيح وطلام على حدى من اجل الربط فقط، كما أن قرى سمهر ذكرناها على حدى وكذلك قرى القاش وأيضا قرى مناطق أكلوقزاي وسراي التي أحرقت في نوفمبر 1967م وقد أحرقت فيها 86 قرية قتل فيها 134 مواطنا أعزل وإبادة 500 رأس من الجمال و6500 رأس من الأبقار خاصة في أباطح (سهل) هزمو، مثل قرى عد مريش، سفرى، عوبدات، زحو، حديش عدي، أوحي، عد قيتوا، تكل، سرنة. 

كانت هذه الأفعال من المستعمر تهدف إلىارهاب الشعب الإرتري وقد استمرت سياسة الإبادة الجماعية طوال اعوام 68-69-70-71 وحتي عام 75 وكانت أشنعها مذبحة عونا وسمبت طلام في أغردات ومذبحة ام حجر. 

وفي خط موازي مع سياسة الأرض المحروقة كانت أثيوبيا وعملائها يحاولون تفتيت جبهة التحرير طوال اعوام 1968م من خلال عمل استخباري كانت سرية اديس وأصحاب المشروع الطائفي رأس الرمح فيه فكانت محاولات زرع الفتنة وبث أسباب الشقاق أهم ادواتهم ومع ذلك صمد الشعب الإرتري ولم تنل منه هذه الأحداث الجسام ولم يحد للحظة عن خط التحرير حتي تمكنت الثورة من أن يكون بيدها زمام المبادرة وانتقلت من حرب عصابات تعتمد على الكر والفر إلى حرب استنزاف قوامها العمل الفدائي حتي معركة لكتات التي كانت معركة فاصلة جعلت المبادرةبيد جيش التحرير لتعقبها معركة والواالتي أرعبت جيش العدو واكدت علو يد جيش التحرير الذي انتقل بسرعة إلى حصار  أسمرا في اواخر عام 1974م والذي نفده بعدد 315مقاتلا ويواجه فرقة في داخل ارتريا وفرقة ثانية قادمة من تقراي تحاول كسر الحصار وعند هذه اللحظة التاريخية أدرك عملاء اثيوبيا أن ساعة الحسم قد  قربت، فارتموابكل قوتهم نحو أصحاب المشروع الطائفي لتأخير ساعة الاستقلال التي كانت قاب قوسين أو أدني في عام.

1977م.ومن ثم بدأت مرحلة جديدة من التآمر على مشروع الاستقلال اشتركت فيه قوى داخلية وإقليمية ودولية لأن الجميع كان يجمع على أن لا يتم استقلال ارتريا على يد تنظيم وطني رائد. 

اذا الاستقلال الذي تحقق كان خلفه الشعب الإرتري الذي صمد صمودا لا يدانيه صمود وأزاح الإمبراطورية الأثيوبية بلا رجعة، كما أيقظ الشعوب الإثيوبية التي استكانت للظلم ردحا من الزمان،كما استطاع تدمير القوات الإثيوبية التي بنيت على غرار الجيوش الحديثة خلال الخمس عشرة عاما الأولي من النضال وبذلك خدت شوكة الجيش الأثيوبي التي كانت تتألف من قوات النخبة و الموسومة بطور سراويت وتعني (رأس الرمح)، لتأتي من بعدها مليشيات الدرق المدججة بالسلاح الروسي وتنهزم هي الأخرى أمام صمود وبسالة الشعب الإرتري. 

قبل الختام هناك مقولة رائده قالها الشاعر العراقي مظفر النواب في حق الشعب الإرتري في أواخر الستينيات عندما شاهد بعينيه صمود وجسارة هذا الشعب: (الشعب الإرتري شعب ديناميكي تقوده قيادة ميكانيكية).

التعليقات معطلة.